فهم وسط في باب القضاء والقدر بين المجبرة وبين القدرية. وذلك لأن هناك فرقتين رائغتين في باب القدر: إحداهما قد غلت وأفرطت وزادت. والأخرى قد فرّطت. ففرقة تقول إن الإنسان هو الذي يخلق أفعاله، وليس لله قدرة على هداية ولا على إضلال. وهؤلاء قد أشركوا. وفرقة جعلت العبد مقسورا ومجبوراً، وليست له اختيارات أبدا وعذرته بذلك. وجاء أهل السنة فتوسطوا وجعلوا له اختياراً، ولكن اختياره مربوط بمشيئة الله، (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) ، فهذا توسطهم في باب القدر.
هناك أيضاً توسطهم في باب أسماء الإيمان والدين. وذلك لأن هناك فرقتين منحرفتين، إحداهما قد فرّطت، والأخرى قد أفرطت. فمنهم المفرطون الذين يجعلون الأعمال ليست من الإيمان، وعندهم من صدّق بقلبه ولو لم يعمل فهو مؤمن كامل الإيمان. وآخرون كفّروا بترك الأعمال. فجاء المسلمون من أهل السنة فتوسطوا، فلا إفراط ولا تفريط. فجعلوا الإنسان يستحق اسم الإيمان واسم الإسلام ولو كان معه شيء من الذنوب، وشيء من المعاصي، فلم يخرجوه من الإسلام بالكلية كالخوارج وكالمعتزلة الذين يكفرون بكل ذنب. فمن أذنب أخرجوه من الإسلام، وخلدوه في النار، والعياذ بالله. ولم يكونوا كطائفة أهل الإرجاء الذين يجعلونه كامل الإيمان ويبيحون له الاستكثار من المعاصي ويعتقدون أنها لا تضر. بل لا إفراط ولا تفريط. نحن نقول: إن المعاصي لا تخرج العبد من الإيمان، ولكن عليه منها ضررا، فإنها قد تجتمع على العبد فتهلكه إلا أن يعفو الله عنه ولا يخلد في النار، ولكن يستحق دخولها ويعذب بقدر سيئاته إذا كان من أهل العقيدة وأهل الإسلام ولكن معه ذنب، فتوسط أهل الإسلام وأهل العقيدة السلفية فلم يكفروا بالذنوب كالخوارج، ولم يجعلوا المذنب كامل الإيمان كأهل الإرجاء. بل جعلوه مؤمنا ناقص الإيمان، وقالوا: هو مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته.