وكذلك في الأعمال نرى أن اليهود كانوا يرون أن القصاص حتم وليس هناك مجال للعفو، وأن النصارى يرون العفو حتما، وجاء الإسلام بالتخيير، تخيير ولي المقتول بين القصاص وبين العفو وأخذ الدية أو العفو مطلقاً، فصار متوسطاً، لا إلزام بالعفو، ولا إلزام بالقصاص، بل متوسط بينهما.
وهكذا توسطه في المُجازاة ونحوها. فالله أباح للناس المجازاة على الأعمال بمثلها في قوله تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) . فجعل الإنسان يباح له أن يعاقب من اعتدى عليه، كما في قوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) ، بالمثل فقط، لا بالزيادة. ولكنه فضل الصبر بقوله: (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) ، ولكن دين النصارى يأمر الإنسان بأن يعفو، وأن لا ينتصر، ولا ينتقم لنفسه أبدا. ودين اليهود يحكم عليه بأن يستوفي وأن يقتص، فالإسلام جاء بهذا الدين الذي لا إفراط فيه ولا تفريط.
أمثلة على وسطية أهل السنة والجماعة
بين الفرق المختلفة
وبعد أن رأينا هذه الأمثلة في الأديان السابقة نأتي إلى أمثلة من العقيدة السنية لهذه الأمة. وذلك لأن الذين دخلوا في الشريعة الإسلامية قد اختلط وامتزج بهم من ليس بمحقق في الاتباع، ودخل في العقيدة وفي الإسلام من ليس منهم وانحرفت بهم الطرق وتفرقت بهم السبل. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وسئل من تلك الواحدة فقال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي. وإذن فعقيدة أهل السنة والجماعة هي العقيدة السلفية وهي العقيدة السنية، وهي الشريعة المحمدية والملة الإبراهيمية التي هدى الله إليها هذه الأمة.
إذا نظرنا في هذه العقيدة وإذا هي وسط، لا إفراط فيها ولا تفريط. وسط في العقائد الكثيرة. يقول شيخ الإسلام رحمه الله: إن أهل السنة وسط في فرق هذه الأمة، كما أن الأمة وسط بين الأمم.