فتاوي السبكي (صفحة 719)

حَبَسَ حَائِطَهُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ وَفِي الْحَائِطِ ثَمَرٌ لَمْ يُؤَبَّرْ أَحَدُهَا أَنَّ حَظَّ الْمَيِّتِ مِنْهُمْ يَرْجِعُ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي جُعِلَ مَرْجِعُ الْحَبْسِ إلَيْهِ بَعْدَهُ وَذَلِكَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّ حَظَّ الْمَيِّتِ مِنْهُمْ يَرْجِعُ إلَى الْمَحْبِسِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ حَظَّ الْمَيِّتِ يَرْجِعُ إلَى بَقِيَّتِهِمْ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ إنْ كَانَ الْحَبْسُ مِمَّا يُقَسَّمُ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَرَةِ أَوْ الْخَرَاجِ رَجَعَ حَظُّ الْمَيِّتِ مِنْهُمْ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي جُعِلَ مَرْجِعُ الْحَبْسِ إلَيْهِ بَعْدَهُمْ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقَسَّمُ عَلَيْهِ كَالْعَبْدِ يَخْدُمُونَهُ وَالدَّارِ يَسْكُنُونَهَا وَالْحَائِطِ يَكُونُ عَلَيْهِ رَجَعَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ مِنْهُمْ إلَى بَقِيَّتِهِمْ وَذَلِكَ عَلَى قِيَاسِ مَا رَوَى الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ وَأَخَذُوا حَاشَى بْنِ الْقَسَمِ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ.

وَقَدْ حَكَى عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُقَسَّمُ كَالْغَلَّةِ وَالثَّمَرَةِ وَأَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِيمَا لَا يُقَسَّمُ كَالْعَبْدِ يَخْتَدِمُ وَالدَّارِ تُسْكَنُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ.

قَالَ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدِيهِ: قَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ دُونَ بَعْضٍ لَمْ يَقُلْ إنَّهَا وَقْفٌ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً عَلَى حَقِيقَتِهَا قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ بِدَلِيلَيْ حُكْمِ الْعُمْرَى وَالثَّانِي عَلَى حُكْمِ الْمِلْكِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْعُمْرَى أَنَّهَا تَمْلِيكُ الْبَائِعِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى بِمَنَافِعِ دَارِهِ لِزَيْدٍ مُدَّةَ حَيَاةِ زَيْدٍ ثُمَّ بَعْدَهُ تَكُونُ مِلْكًا لِعَمْرٍو أَوْ تَكُونُ مَنَافِعُهَا لِعَمْرٍو لِمَ لَا يَصِحُّ بَلْ أَقُولُ عَلَى مَذْهَبِنَا يَصِحُّ ذَلِكَ إذَا صَرَّحَ بِالْمَنَافِعِ الْآنَ وَبِالْمِلْكِ فِي ثَانِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطٍ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا احْتَجْتُ إلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْمِلْكَ وَالْمِلْكُ عِنْدَنَا لَا يَصِحُّ مُوَقَّتًا وَلَا الْعُمْرَى فَلِذَلِكَ جَعَلْتهَا عُمْرَى عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ لِاحْتِمَالِ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ: وَلَوْ أَوْصَى لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ دُونَ بَعْضٍ بِوَصِيَّةِ مِلْكٍ لَمْ يَصِحَّ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ وَلَوَجَبَ إنْ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ أَنْ تَبْطُلَ وَتَرْجِعَ مِيرَاثًا.

وَهُوَ صَحِيحٌ إذَا أَرَادَ الْمِلْكَ الْحَقِيقِيَّ لِنَاقِيَتِهِ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ الْعُمْرَى أَوْ احْتَمَلَ وَأَمْكَنَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْإِبْطَالِ.

قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَتَنْزِلُ الْمَسْأَلَةُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015