أَوْلَادِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ أَنْ لَا يَدْخُلَ وَلَدُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فِي الْحَبْسِ حَتَّى يَمُوتُوا كُلُّهُمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ ثُمَّ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مِنْ بَعْدِ انْقِرَاضِ جَمِيعِهِمْ وَأَنْ يُرِيدَ عَلَى أَعْقَابِ مَنْ انْقَرَضَ مِنْهُمْ إلَى أَنْ يَنْقَرِضَ جَمِيعُهُمْ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا احْتِمَالًا وَاحِدًا.
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ صِيغَتُهُ مِنْ أَلْفَاظِ عَطْفِ جَمْعٍ عَلَى جَمْعٍ بِحَرْفِ " ثُمَّ " يَجُوزُ أَنْ يُعَبَّرَ بِهِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَكَذَلِكَ بَيَّنَ قَوْله تَعَالَى {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28] ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} [البقرة: 28] أَنَّهُ أَمَاتَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْدَ أَنْ أَحْيَاهُمْ قَبْلَ أَنْ يُحْيِيَ بَقِيَّتَهُمْ وَأَنَّهُ أَرَادَ تَعَالَى {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28] إنَّهُ لَا يُحْيِي مِنْهُمْ أَحَدًا حَتَّى يُمِيتَ جَمِيعَهُمْ وَالصِّيغَةُ فِي اللَّفْظَيْنِ وَاحِدَةٌ فَلَوْلَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُحْتَمِلَةٌ لِلْوَجْهَيْنِ لَمَا صَحَّ أَنْ يُرِيدَ بِالْوَاحِدَةِ غَيْرَ مُرَادِهِ بِالْأُخْرَى وَهَذَا أَبْيَنُ مِنْ أَنْ يَخْفَى.
فَإِذَا كَانَ قَوْلُهُ: ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ مُحْتَمِلٌ لِلْوَجْهَيْنِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَظُّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ لِوَلَدِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى إخْوَتِهِ؛ لِأَنَّ مَا هَلَكَ الرَّجُلُ عَنْهُ فَوَلَدُهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ إخْوَتِهِ فَتَرَجَّحَ بِذَلِكَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الْأَظْهَرَ مِنْ قَصْدِ الْحَبْسِ وَأَرَادَ بِهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْمِيرَاثِ ثُمَّ عَلَى أَعْقَابِهِمْ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْوَلَدُ مَعَ وَالِدِهِ فِي الْحَبْسِ حَتَّى يَمُوتَ وَالِدُهُ وَجَمِيعُ أَعْمَامِهِ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِمْ لَقَالَ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ مِنْ بَعْدِ انْقِرَاضِ جَمِيعِهِمْ فَلَا اخْتِلَافَ أَعْلَمُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَطُّ.
وَقَدْ وَقَعَ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ مَا ظَاهِرُهُ خِلَافُ هَذَا وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ.
وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ فُقَهَاءِ أَهْلِ زَمَانِنَا إلَى أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَدْخُلُ فِي الْحَبْسِ بِهَذَا اللَّفْظِ حَتَّى يَمُوتَ وَالِدُهُ وَجَمِيعُ أَعْمَامِهِ.
وَقَالَ إنَّ لَفْظَهُ يَقْتَضِي التَّعْقِيبَ فِي اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وَقْفُ خِلَافٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ إذَا قَالَ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْ الْأَوْلَادِ فِي الْحَبْسِ إلَّا بَعْدَ انْقِرَاضِ جَمِيعِ الْآبَاءِ.
وَتَعَلَّقَ بِظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ فِيهِ لِاحْتِمَالِهِ التَّأْوِيلَ فَقَوْلُهُ خَطَأٌ صُرَاحٌ لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَإِنَّمَا يُخْتَلَفُ فِي الْمَذْهَبِ إذَا حَبَسَ عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ ثُمَّ صَرَفَ الْحَبْسَ مِنْ بَعْدِهِمْ إلَى سِوَى أَوْلَادِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ يُجْعَلُ مَرْجِعُ الْحَبْسِ إلَيْهِ بَعْدَهُمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ يَقُومُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ