الْعَيْنُ فَيَمْلِكُهَا صَاحِبُ الْعَيْنِ فَلَا نَقُولُ: إنَّ مَنْ بَاعَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَاعَ عَيْنًا وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَتَهَا وَلَا بَاعَ عَيْنًا مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ بَلْ بَيْعُهُ مُطْلَقٌ مُقْتَضٍ لِمِلْكِ كُلِّ مَا هُوَ تَابِعٌ لِلْعَيْنِ إلَّا أَنْ يُعَارِضَ مُعَارِضٌ وَبِالْفَسْخِ يَرْتَفِعُ ذَلِكَ بَلْ أَقُولُ: إنَّهُ لَوْ بَاعَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ وَشَرَطَ مَعَ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءَ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ الْمَأْجُورَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي بَقَاءَهَا لَهُ لَوْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ.
وَهَذَا فَرْعٌ حَسَنٌ لَمْ يَجِدْهُ مَنْقُولًا سَاقَ إلَيْهِ الْبَحْثَ فَلْنَرْجِعْ إلَى مَا كُنَّا فِيهِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْمَعْنَى بَعْدَ تَحْقِيقِهِ فِي كَوْنِ الرَّفْعِ مِنْ أَصْلِهِ، أَوْ مِنْ حِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى بِهِ ارْتِفَاعُ جُمْلَةِ الْآثَارِ وَارْتِفَاعُ الْآثَارِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَعَبَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ بِالِارْتِفَاعِ مِنْ أَصْلِهِ، وَعَنْ الثَّانِي بِالِارْتِفَاعِ مِنْ حِينِهِ، وَالْمُرْتَفِعُ هُوَ الْجُمْلَةُ فِي الْمَوْضُوعَيْنِ لَكِنْ فِي الْأَوَّلِ الْجُمْلَةُ الْمَاضِيَةُ، وَالْمُسْتَقْبِلَةُ وَفِي الثَّانِي الْجُمْلَةُ الْمُسْتَقْبَلَةُ كُلُّهَا حَتَّى لَا يَبْقَى أَثَرٌ لِلْعَقْدِ مِنْ الْآنَ.
وَالرَّفْعُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ إنَّمَا هُوَ الْآنَ؛ لِأَنَّهُ نَشَأَ عَنْ الْفَسْخِ، وَالْأَثَرُ لَا يَسْبِقُ الْمُؤَثِّرَ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ بِالْفَسْخِ عَلَى الْقَوْلِ بِالِارْتِفَاعِ مِنْ أَصْلِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ هَذَا خِلَافُ الْمَحْسُوسِ، وَالْمَعْلُومِ مِنْ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ، أَوْ مِنْ حِينِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ رُجُوعِ الْحَالِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَبَقَاءُ الْمَنَافِعِ عَلَى السَّبَبِ الْأَوَّلِ وَانْدِرَاجُهَا تَحْتَ مُقْتَضَى الْبَيْعِ كَمَا فِي مَنَافِعِ الْمُدَّةِ الَّتِي بَعْدَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا وَلَا شَكَّ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَهَا مِنْ آثَارِ بَيْعِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي تَحْقِيقِ الْمَنْفَعَةِ وَتَحْقِيقِ كَوْنِهَا مَمْلُوكَةً قَبْلَ وُجُودِهَا وَإِيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَلَامًا كَثِيرًا لَا حَاجَةَ بِنَا هُنَا إلَى تَحْقِيقِهِ بَلْ مَا ذَكَرْنَا يَكْفِي عَلَى كُلِّ تَقْدِيرِ فَرْضٍ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ أَنَّهَا تَهَيُّؤُ الْعَيْنِ لِذَلِكَ النَّوْعِ الَّذِي قُصِدَ مِنْهَا فَالدَّارُ مُتَهَيِّئَةٌ لِلسُّكْنَى، وَالتَّهَيُّؤُ مَوْجُودٌ الْآنَ وَتَتَوَالَى أَمْثَالُهُ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَيُسَلِّمُهَا الْمُسْتَأْجِرُ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي يَسْتَوْفِيهِ لِسُكْنَاهُ أَمْرٌ ثَالِثٌ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ التَّهَيُّؤِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الدَّارِ وَبَيْنَ سُكْنَاهُ الَّذِي هُوَ فِعْلُهُ، وَذَلِكَ الْأَمْرُ الثَّالِثُ هُوَ الْمَنْفَعَةُ، وَهِيَ لَيْسَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ جَمِيعِهَا بَلْ جُزْءٌ مِنْهَا، وَهَلْ يَقُولُ: إنَّهَا مَمْلُوكَةٌ أَوْلَى قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: إنَّهَا لَا يُقَالُ إنَّهَا مَمْلُوكَةٌ، وَكَذَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا لَا مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ كَيْفَ يَكُونُ مَمْلُوكًا.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِد الْإسْفَرايِينِيّ: إنَّهَا مَمْلُوكَةٌ؛ لِأَنَّا لَا نَعْنِي بِالْمِلْكِ إلَّا جَوَازَ التَّصَرُّفِ وَهَذِهِ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا فَكَانَتْ مَمْلُوكَةً وَلَك أَنْ تَقُولَ جَوَازُ التَّصَرُّفِ نَتِيجَةُ الْمِلْكِ وَتَقْدِيرُ كَوْنِهَا مَمْلُوكَةً عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَتَنْوِيعٌ عَنْهَا وَتَنْزِيلُهَا مَنْزِلَةَ الْمَمْلُوكِ مَعَ كَوْنِهَا غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلِمَ قُلْتُمْ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَلَا ضَرُورَةَ بِنَا إلَى تَحْقِيقِ ذَلِكَ فَغَرَضُنَا فِي هَذِهِ