الْمَسْأَلَةِ حَاصِلٌ بِدُونِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَالْمُتَوَلِّي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَنَى الْوَجْهَيْنِ الْمَنْقُولَيْنِ عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ، أَوْ مِنْ حِينِهِ إنْ قُلْنَا مِنْ أَصْلِهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْإِجَارَةَ لَمْ تَكُنْ فَاسْتَحَقَّهَا الْمُشْتَرِي بِالسَّبَبِ السَّابِقِ، وَإِنْ قُلْنَا مِنْ حِينِهِ فَيَعُودُ الْمِلْكُ إلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ حَالَةَ الرَّدِّ مَا يُوجِبُ نَقْلَ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَأَقُولُ: إنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِثْنَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَأَنَّهُ إنَّمَا بَاعَهُ عَيْنًا مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ تِلْكَ الْمُدَّةَ لَكَانَتْ الْمَنَافِعُ تَرْجِعُ إلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْإِجَارَةَ ارْتَفَعَتْ مِنْ أَصْلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ نَقْلَهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَلَمَّا قَالَ الْمُتَوَلِّي بِرُجُوعِهَا إلَى الْبَائِعِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا ارْتَفَعَتْ مِنْ أَصْلِهَا دَلَّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ اسْتِثْنَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مَسْلُوبَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ثُمَّ أَقُولُ: إذَا قُلْنَا الرَّفْعُ مِنْ حِينِهِ قَوْلُهُ: إنَّهُ لَمْ يُوجَدْ حَالَةَ الرَّدِّ مَا يُوجِبُ نَقْلَ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْمُشْتَرِي إلَّا بِسَبَبٍ يُوجَدُ حَالَةَ الرَّدِّ وَرَدَ عَلَيْهِ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ رُفِعَ مِنْ أَصْلِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ بِسَبَبِ حَالَةِ الرَّدِّ.
وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ أَصْلًا مَا يُوجِبُ الْمِلْكَ إلَى الْمُشْتَرِي فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْبَيْعُ الْمُتَقَدِّمُ سَبَبٌ يُوجِبُ نَقْلَ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّ الْإِجَارَةَ مَنَعَتْ مِنْهُ، فَإِذَا زَالَتْ عَمِلَ الْمُوجِبُ عَمَلَهُ فَيَقُولُ الْمُتَوَلِّي حَالَةَ الرَّدِّ مُسْتَدْرِكٌ، وَإِذَا أَسْقَطَهُ لَمْ يَنْهَضْ دَلِيلُهُ ثُمَّ قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ عَبْدٍ لِإِنْسَانٍ وَبِالرَّقَبَةِ لِآخَرَ ثُمَّ إنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ رَدَّ الْوَصِيَّةَ فَالْمَنَافِعُ تَعُودُ إلَى الْوَرَثَةِ، أَوْ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ وَسَنَذْكُرُهُمَا فِي الْوَصِيَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ: إنَّ الَّذِي يَظْهَرُ الْجَزْمُ بِأَنَّهَا لِلْوَرَثَةِ لِإِخْرَاجِهَا بِالتَّبَعِيَّةِ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِغَيْرِ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ ثُمَّ هَذَا مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِشَخْصٍ بِرَقَبَةِ عَبْدٍ وَسَكَتَ عَنْ الْمَنْفَعَةِ فَلَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهَا لَهُ، أَوْ لِلْوَرَثَةِ تَكُونُ الْمَنَافِعُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ لَهُ حِكَايَةُ الْخِلَافِ، وَلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ فِي التَّنْبِيهِ: وَإِنْ أَوْصَى بِرَقَبَةِ عَبْدٍ دُونَ مَنْفَعَتِهِ أَعْطَى الرَّقَبَةَ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَوْلُهُ دُونَ مَنْفَعَتِهِ مِنْ جُمْلَةِ لَفْظِ الْمُوصِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَالرُّجُوعُ هُنَا لِلْوَرَثَةِ أَوْضَحُ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ سَبَبٌ يَقْتَضِي تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ أَصْلًا نَعَمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُفَصَّلَ فَيُقَالَ: إنْ كَانَتْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَوْصَى لِوَاحِدٍ بِرَقَبَةٍ بِلَا مَنْفَعَةٍ وَلِآخَرَ بِالْمَنْفَعَةِ فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَالْقَطْعُ بِرُجُوعِهَا لِلْوَرَثَةِ.
وَإِنْ كَانَ أَوْصَى بِالرَّقَبَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ لِوَاحِدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِالْمَنْفَعَةِ لِآخَرَ فَيَكُونُ مُحَلَّ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ أَبْطَلَ أَثَرَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ فَتَبْقَى الْوَصِيَّةُ بِالرَّقَبَةِ عَلَى إطْلَاقِهَا وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ رُجُوعٌ عَنْ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ، وَالْوَصِيَّةُ تَحْتَمِلُ