كَانَتْ فِي الْعِتْقِ الْمُتَطَوَّعِ بِهِ فَلَا يَتَّجِهُ فِيهِ غَيْرُ تَقْدِيمِ الْقَرِيبِ نَعَمْ قَدْ يَعْرِضُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ الْجُزْئِيَّةِ مَا يُعَارِضُ ذَلِكَ كَمَا إذَا كَانَ الْأَجْنَبِيُّ عَالِمًا وَكَانَ النَّاسُ بِهِمْ حَاجَةٌ إلَى التَّعَلُّمِ مِنْهُ وَلَا يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ خِدْمَةِ السَّيِّدِ وَلَا يُمْكِنُ السَّيِّدُ أَنْ يَعْتِقَ الْقَرِيبَ وَيُخَلِّيَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ الْعَالِمِ فَنُفَوِّتُ مَصْلَحَةً لِلسَّيِّدِ فَهَاهُنَا قَدْ يُقَالُ: إنَّ عِتْقَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ أَوْلَى مِنْ عِتْقِ الْقَرِيبِ الَّذِي مَصْلَحَتُهُ قَاصِرَةٌ عَلَيْهِ وَإِنَّ الَّذِي فِي غَايَةِ الصَّلَاحِ كَمَا فَرَضَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ إذَا أَعْتَقَ عَمْرٌو جَمِيعَ أَوْقَاتِهِ بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى اسْتِمْرَارُ حَسَنَاتٍ لِلسَّيِّدِ مَا دَامَ بَاقِيًا لِكَوْنِهِ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ رَاجِحٌ عَلَى الْحَسَنَةِ الْوَاحِدَةِ الْحَاصِلَةِ بِإِعْتَاقِ قَرِيبِهِ الْفَاسِقِ وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ النَّظَرِ الَّذِي أَبْدَاهُ الشَّيْخُ وَفِكْرُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَدَقُّ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْأَجْنَبِيُّ مُتَأَهِّلًا لِلِاشْتِغَالِ وَظَهَرَتْ عَلَيْهِ مَخَائِلُ الْعِلْمِ فَإِعْتَاقُهُ مُعِينٌ لَهُ عَلَى تَأَهُّلِهِ لِرُتْبَةِ الْعُلَمَاءِ وَالْوَقْتُ مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ قَدْ يَتَرَجَّحُ عَلَى عِتْقِ الْقَرِيبِ.
فَهَذِهِ الْأَمْثِلَةُ كُلُّهَا أَنَا أُشَارِكُ الشَّيْخَ فِي التَّوَقُّفِ فِيهَا إذَا وُجِدَتْ كَمَا فُرِضَتْ مِنْ مِثْلِي إلَى تَقْدِيمِ الْقَرِيبِ عَلَى مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّخْصِيصِ بِالرَّأْيِ وَأَمَّا مَا اعْتَقَدَهُ السَّائِلُ مِنْ التَّقْدِيمِ بِوَصْفِ الصَّلَاحِ عَلَى وَصْفِ الْقَرَابَةِ فَلَا، وَذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَلْبَتَّةَ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِقِصَّةِ إبْرَاهِيمَ فَذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَلَيْسَ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا.
وَقَوْلُهُ: إنَّ التَّقْدِيمَ بِالْأَصْلَحِيَّةِ أَمْرٌ دِينِيٌّ وَالدِّينِيُّ مُقَدَّمٌ ظَهَرَ جَوَابُهُ وَأَيْنَ يَجِبُ التَّقْدِيمُ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَقَوْلُهُ وَبَسْطُهُ يَطُولُ لَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ الَّذِي يَطُولُ بَسْطُ بُطْلَانِهِ.
وَقَوْلُهُ: إذَا قَدَّمْنَا الْأَجْنَبِيَّ عَلَى الْقَرِيبِ وَقَعَتْ السَّلَامَةُ مِنْ الشَّوَائِبِ إلَخْ فَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ أَيْضًا ارْتِبَاكَةٌ أُخْرَى وَذَلِكَ أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى أَمَرَ عِبَادَهُ بِأَوَامِرَ مِنْهَا مَا لَا حَظَّ لِلنَّفْسِ فِيهِ وَمِنْهَا مَا فِيهِ حَظٌّ وَقَدْ وَرَدَتْ أَوَامِرُ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهَا مَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَمِنْهَا مَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ كَإِيجَابِ الْأَكْلِ عَلَى الْمُضْطَرِّ عِنْدَ خَوْفِ الْهَلَاكِ وَإِيجَابِ الْفِطْرِ فِي لَيْلِ رَمَضَانَ عَلَى الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ الْوِصَالِ وَالْأَمْرِ بِنَوْمِ بَعْضِ اللَّيْلِ وَإِعْطَاءِ الْعَيْنِ حَظَّهَا وَإِعْطَاءِ الْجَسَدِ حَظَّهُ وَإِعْطَاءِ الرُّوحِ حَظَّهَا وَالْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَتَرَتُّبِ الْأَجْرِ عَلَى ذَلِكَ وَالْحُكْمِ بِكَوْنِهِ صَدَقَةً