وَتَرَتُّبِ الْأَجْرِ عَلَى مُبَاضَعَةِ أَهْلِهِ وَحِفْظِ الْأَمْوَالِ وَعَدَمِ إفْسَادِهَا وَتَرْكِ وَرَثَتِهِ أَغْنِيَاءَ وَاسْتِحْبَابِ الرِّفْقِ فِي الْأُمُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى، وَذَلِكَ لِحِكَمٍ وَأَسْبَابٍ أَكْثَرُهَا ظَاهِرٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ.
وَكَذَلِكَ تَفْضِيلُ الْحَجِّ رَاكِبًا عَلَى الْمَاشِي وَالْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ عَلَى الْإِحْرَامِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَجَوَازِ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: أَنَا مَتَى فَعَلْتُ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا تَخْلُصُ لِي نِيَّةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ حَظِّ النَّفْسِ فَأَتْرُكُهَا وَأَعْمَلُ بِخِلَافِهَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَجْهَلِ الْجَاهِلِينَ وَرَاغِبًا عَنْ سُنَّةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَإِنَّمَا يَأْتِي ذَلِكَ مِنْ غَلَبَةِ الْوَسْوَاسِ وَالتَّنَطُّعِ فِي الدِّينِ وَلَكِنَّ الطَّرِيقَةَ الْمُثْلَى وَالْمَحَجَّةَ الْعُظْمَى إتْبَاعُ الشَّرِيعَةِ وَتَصْحِيحُ النِّيَّةِ فَمَنْ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ كَانَ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاحِ وَالْإِخْلَاصِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فِي الشَّرِيعَةِ.
قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} [الكهف: 110] الْآيَةَ، فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَفْقِ السُّنَّةِ وَعَدَمُ الْإِشْرَاكِ بِالْعِبَادَةِ إشَارَةٌ إلَى الْإِخْلَاصِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ تَصْحِيحِ النِّيَّةِ أَتَى بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ الْمُوَافِقِ لِلسُّنَّةِ وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى فَبِتَرْكِهِ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ لَهُ تَصْحِيحُ النِّيَّةِ وَإِلَّا يَكُونُ كَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ خَوْفًا مِنْ الرِّيَاءِ.
فَإِنْ قُلْت: هَذَا أَمْرٌ قَلَّ مَنْ يَسْلَمُ مِنْهُ وَطَبْعُ الْجِبِلَّةِ الْمَيْلُ إلَى إيثَارِ النَّفْسِ وَالْقَرِيبِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ لِلَّهِ وَالرَّحِمِ، وَقَالَ: لَا يَكُونُ لِلَّهِ وَحْدَهُ فَكَيْفَ الْخَلَاصُ مِنْ هَذَا؟ قُلْت: يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يُلَاحِظَ جَانِبَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ وَيَعْرِفَ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِهِ وَلَا يَضُرُّهُ مَعَ قَصْدِهِ ذَلِكَ مَيْلُ الطَّبْعِ وَالْجِبِلَّةِ وَإِنَّمَا الَّذِي يَضُرُّ أَنْ يَنْفَرِدَ قَصْدُ إيثَارِ مَا سِوَى اللَّهِ أَوْ يَكُونَ غَالِبًا عَلَى قَصْدِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَخْشَى عَلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَ بَاعِثُ الْأَمْرِ رَاجِحًا فَإِنَّ الْأَجْرَ حَاصِلٌ وَإِنْ اسْتَوَى الْبَاعِثَانِ فَهَذَا مَحَلُّ نَظَرٍ وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ حُصُولِ الْأَجْرِ حَتَّى يَتَرَجَّحَ بَاعِثُ الْأَمْرِ، وَأَنْتَ تَجِدُ فِي الشَّاهِدِ السَّيِّدِ يَأْمُرُ عَبْدَهُ بِمَا فِيهِ صَلَاحُ الْعَبْدِ فَيَفْعَلُهُ امْتِثَالًا لِأَمْرِ السَّيِّدِ مَعَ مَيْلِ طَبْعِهِ إلَيْهِ فَكَيْفَ لَا يَفْعَلُ الْعَبْدُ ذَلِكَ مَعَ اللَّهِ لِيَحْصُلَ لَهُ الْأَجْرُ مَعَ حَظِّ النَّفْسِ الْمُحَقَّقِ عَلَى بَابِ النِّيَّةِ شَدِيدٌ وَلِهَذَا اسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ يُعْطِيَ زَكَاتَهُ لِغَيْرِهِ يُفَرِّقُهَا خَوْفَ الْمَحْمَدَةِ وَالْمَذَمَّةِ وَلِيَكُونَ أَسْلَمَ مِنْ الْخَوَاطِرِ وَالْوَسَاوِسِ فِيمَا يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ أَنْ يَقُولَ: أَخْشَى أَنِّي إنَّمَا أَعْطَيْت فُلَانًا لِوَجْهِ كَذَا وَفُلَانًا لِكَذَا فَإِذَا تَرَكَهَا سَلِمَ مِنْ