فتاوي السبكي (صفحة 1032)

جَائِزٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ إلَّا أَنْ تَقْتَرِنَ بِهِ حَالَةٌ خَاصَّةٌ تُوجِبُهُ.

(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا يَصْرِفُهُ الشَّخْصُ الْمُعَيَّنُ فَأَمَّا النَّفَقَاتُ وَمَا كَانَ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَالْإِيثَارِ فَالتَّقْدِيمُ فِيهِ بِالْقَرَابَةِ لِمَا تَقَدَّمَ وَبَعْدَ الْقَرَابَةِ لَا يَجِبُ التَّقْدِيمُ أَصْلًا وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ مَنْ كَانَ أَحْوَجَ أَوْ أَفْضَلَ أَوْ أَصْلَحَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي التَّقْدِيمَ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَأَمَّا صَدَقَةُ الْفَرْضِ فَيُقَدَّمُ بِالْقَرَابَةِ فِيهَا أَيْضًا وَإِذَا تَعَارَضَ الْجَوَازُ وَالْقَرَابَةُ فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِنَا تَقْدِيمُ الْقَرَابَةِ إذَا كَانُوا حَاضِرِينَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ النَّقْلُ لِأَجْلِهِمْ وَقَدْ وَقَفْت عَلَى رِسَالَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ الْمَالِكِيِّ ذَكَرَ فِيهَا الِاخْتِلَافَ فِي تَفْضِيلِ الْقَرَابَةِ مِنْ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ فَنَقَلَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ يَرَى إيثَارَهُمْ بِمَا يُوَسِّعُ عَلَيْهِمْ.

وَرَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ لَا يُعْطِي لِأَقَارِبِهِ مِنْ زَكَاتِهِ وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سَأَلَ فِيمَنْ أَضَعُ زَكَاتِي قَالَ: فِي أَقَارِبِك فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَجِيرَانُك فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَصَدِيقُك الْمُحْتَاجُ قَالَ: وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ قَالَ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ أَرَاهُ أَبَا يَحْيَى الْوَقَّادَ قَالَ: إنْ كَانَتْ لِي زَكَاةٌ فَأَعْطَيْتُهَا غَيْرَ قَرَابَتِي فَلَا يَقْبَلُهَا اللَّهُ مِنِّي قَالَ وَالْقَوْلُ مِنْ مَالِكٍ فِي كَرَاهَةِ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِشْفَاقِ.

وَرُوِيَ عَنْ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَسُفْيَانَ أَنَّ أَفْضَلَ لَك أَنْ تُعْطِيَ زَكَاتَك لِأَقَارِبِك الَّذِينَ لَا يَلْزَمُك نَفَقَتُهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَفِي الْجَارِ وَالصَّاحِبِ وَكَانَ أَبُو بَكْرِ بْنُ اللَّبَّادِ يُؤْثِرُ قَرَابَتَهُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ الْعَطَاءَ فِي النَّوَافِلِ لِلْقَرَابَةِ لَا شَكَّ أَنَّهُ أَفْضَلُ، وَأَمَّا فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّمَا يُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ أَفْضَلُ بِبَاطِنِ مَعْرِفَتِك بِبَاطِنِ فَقْرِهِمْ.

وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ تَعَلَّلَ تَفْضِيلَ الْقَرَابَةِ بِالضَّعْفِ فَيُجْعَلُ لِلْقَرَابَةِ مِنْ التَّفْضِيلِ خَطَأٌ قَالَ وَهَذَا عِنْدَ مَالِكٍ فِي التَّطَوُّعِ حَسَنٌ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ أَنْ يُفَضِّلَهُمْ فِي تَطَوُّعِهِ لَا فِي نَذْرِهِ كَصَدَقَتِهِ نَذَرَهَا أَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ مِنْ كَفَّارَةِ يَمِينٍ أَوْ غَيْرِهِ وَنَقَلَ خِلَافًا فِي تَعْلِيلِ تَقْدِيمِهِمْ فِي الْفَرْضِ فَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ لِلْقَرَابَةِ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ لِهَذَا وَلِهَذَا وَهُوَ الْأَوْلَى قُلْت: فَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَالْأَدِلَّةُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ الْأَقَارِبَ يُقَدَّمُونَ فِي النَّفْلِ بِلَا إشْكَالٍ وَفِي الْفَرْضِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَمَسْأَلَتُنَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015