الصَّلَاحِ فَإِذَا كَانَ هَذَا مَعَ اتِّصَافِ الْقَرِيبِ بِوَصْفِ الصَّلَاحِ فَمِنْ بَابٍ آخَرَ إذَا لَمْ يَكُنْ صَالِحًا وَلَا فَاسِقًا.
انْتَهَى كَلَامُ السَّائِلِ وَكُتِبَ بِذَلِكَ فِي الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُعَظَّمِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ فِي كِتَابِ رِسَالَةٍ إلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ فِي الْقَاهِرَةِ فَالْتَمَسَ الْجَوَابَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ سَعِيدٌ وَالْتَمَسَ مِنْهُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ الْفَقِيرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْكَافِي السُّبْكِيّ فَقَالَ مُعْتَصِمًا بِاَللَّهِ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَالْحَقُّ فِيهَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَنَزَّلُ فِي الْحِلْيَةِ عِنْدَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مَنْزِلَةَ الْأَوَّلِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ مَتَى كَانَ مَعْلُومَ التَّحْرِيمِ بِاكْتِسَابِهِ مِنْ جِهَةٍ مُحَرَّمَةٍ بِاعْتِقَادِهِمَا وَاحْتَرَزْنَا بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ عَمَّا إذَا قَالَ الْغَاصِبُ: إنَّ هَذَا الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ حَرَامٌ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُهُ لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ تَحْرِيمِهِ أَوْ قَالَ الْغَاصِبُ: إنَّهُ حَلَالٌ وَقَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ: هُوَ حَرَامٌ، وَكَانَ الْمَغْصُوبُ تَالِفًا فَإِنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبْضِ أَوْ الْإِبْرَاءِ؛ لِأَنَّ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْعِلْمُ بِالتَّحْرِيمِ.
وَاحْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا فِي اعْتِقَادِهِمَا عَمَّا إذَا رَأَى الْمُسْلِمُ الذِّمِّيَّ يَبِيعُ الْخَمْرَ وَقَبَضَ ثَمَنَهَا وَأَرَادَ إعْطَاءَهُ فِيمَا عَلَيْهِ فَلِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِبُطْلَانِ اعْتِقَادِهِمْ وَإِنْ كَانُوا يُقِرُّونَ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ بِالْحِلِّ ضَعِيفٌ، وَعَمَّا إذَا رَأَى مُسْلِمًا يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفًا فَاسِدًا فِي اعْتِقَادِهِ جَائِزًا فِي اعْتِقَادِ الْمُتَصَرِّفِ كَمَا فِي الْمَذَاهِبِ الْمُخْتَلِفَةِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ الَّذِي تَحَقَّقَ أَنَّهُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ؟ فِيهِ خِلَافٌ وَالْقَوْلُ بِالْحِلِّ هُنَا أَقْوَى مِنْهُ فِي الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَصَحُّ هُنَا أَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُنْقَضُ قَضَاءُ الْقَاضِي فِيهِ فَلَا يَحِلُّ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْقَضُ قَضَاءُ الْقَاضِي فِيهِ فَإِنْ قُلْنَا: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٍ حَلَّ، وَإِنْ قُلْنَا: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ اتَّصَلَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ صَحَّ حِلٌّ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ مَنْشَؤُهُ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مِثْلِ هَذَا الْقِسْمِ هَلْ يُؤَثِّرُ فِي الْحِلِّ وَيُقِرُّ الْأَمْرُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ أَمْ لَا كَمَا إذَا حَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ وَالْأَصَحُّ الْحِلُّ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَعَدَمُ الْحِلِّ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْأَوَّلُونَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْمَشْهُورَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِغَيْرِ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ