الظَّالِمِ لَهُ يَتَنَزَّلُ فِي الْحِلْيَةِ عِنْدَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مَنْزِلَةَ الْأَوَّلِ أَمْ لَا؟ قَالَ: يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ فِيهِ إشْكَالٌ قَالَ السَّائِلُ: وَلَمْ يَظْهَرْ مُوجِبُ تَوَقُّفِهِ فَإِنَّهُ إذَا وَقَعَ الْتِبَاسٌ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ لَيْسَ رَاجِعًا إلَى الْأَعْيَانِ وَإِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إلَى صِفَةِ الْمُكْتَسَبِ لَهَا بِغَيْرِ الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ فَكَيْفَ لَا يُقَالُ إنَّ الثَّانِيَ يَحِلُّ مَحَلَّ الْأَوَّلِ.
وَطَلَبُ هَذَا السَّائِلِ مُتَعَلِّقُ اسْتِشْكَالِ الْإِمَامِ عِزِّ الدِّينِ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلِ، قَالَ: وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِي مَذْهَبِنَا مَعْلُومٌ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ غَصَبَ دَرَاهِمَ لِرَجُلٍ فَأَرَادَ الْغَاصِبُ إعْطَاءَ مِثْلِهَا لِرَبِّهَا أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهَا.
الثَّانِيَةُ فِي تَقْدِيمِ الْفَاضِلِ عَلَى الْمَفْضُولِ فَذَكَرَ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ مَسَائِلَ مِنْهَا أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ عَبْدَانِ أَحَدُهُمَا أَجْنَبِيٌّ فِي غَايَةِ الصَّلَاحِ وَالثَّانِي قَرِيبٌ مِنْهُ وَأَرَادَ عِتْقَهُمَا هَلْ يُقَدَّمُ عِتْقُ الْأَجْنَبِيِّ الصَّالِحِ عَلَى عِتْقِ قَرِيبِهِ الْفَاسِقِ أَمْ لَا؟ قَالَ هُوَ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ فِيهِ نَظَرٌ، قَالَ السَّائِلُ: فَأَقُولُ يُقَدِّمُ عِتْقَ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ الْإِحْسَانُ وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وَالْأَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ، وَالشَّرِيعَةُ طَافِحَةٌ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ النَّسَبِ مَعَ قِيَامِ الْمَعْصِيَةِ بِهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ} [التوبة: 113] وَقَالَ فِي إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: 114] وَغَيْرُ هَذَا فَمَا مُوجِبُ تَوَقُّفِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَظَاهِرُ كَلَامِ مَوْلَانَا عِزِّ الدِّينِ فِي الْعَبْدِ الْقَرِيبِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاسِقًا أَوْ كَانَ صَالِحًا وَالْعَبْدُ الْأَجْنَبِيُّ أَصْلَحُ أَنَّهُ يُقَدِّمُ عِتْقَ الْقَرِيبِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَاسِقًا أَوْ كَانَ صَالِحًا، وَعِنْدِي أَنَا أَنَّ تَقْدِيمَ الْأَصْلَحِ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى الْقَرِيبِ الَّذِي لَيْسَ بِفَاسِقٍ أَوْ الْقَرِيبُ الصَّالِحُ أَوْلَى، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَرِيبُ صَالِحًا قَدَّمْت الْأَجْنَبِيَّ الْأَصْلَحَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الْأَصْلَحِيَّةِ زَادَ بِهِ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى الْقَرِيبِ فَإِنْ قِيلَ: وَصْفُ الْأَصْلَحِيَّةِ تَقَابَلَ بِهِ وَصْفُ الْقَرَابَةِ مِنْ جِهَةِ الْقُرْبِ فَاعْتَدَلَا فَوَجَبَ الْوَقْفُ.
فَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ اثْنَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ تَقَدُّمَةَ الْأَصْلَحِيَّةِ تَقْدِيمٌ دِينِيٌّ وَتَقْدِيمُ الْقَرَابَةِ دُنْيَوِيٌّ وَالدِّينِيُّ يُقَدَّمُ وَبَسْطُهُ يَطُولُ، الثَّانِي: أَنَّا إذَا قَدَّمْنَا الْأَجْنَبِيَّ عَلَى الْقَرِيبِ وَقَعَتْ السَّلَامَةُ مِنْ الشَّوَائِبِ الْقَادِحَةِ فِي الْقَرَابَةِ فَإِنَّهُ إذَا أَعْطَى الْقَرِيبَ رُبَّمَا خَطَرَ لَهُ وَصْفُ الْقَرَابَةِ فِي السَّبَبِيَّةِ وَهَذَا تَقْتَضِيه الْحِيلَةُ فَيَكُونُ بَاعِثًا عَلَى الْإِعْطَاءِ أَوْ مُشَارِكًا فِي النَّسَبِ مَعَ وَصْفِ