أَمْ لَا فَإِنَّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا أَثَرَ لَهُ فِيهَا فِي التَّعْبِيرِ أَصْلًا وَهُوَ الْحَقُّ فَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا يَعْتَقِدُ التَّحْرِيمَ دُونَ الْآخَرِ وَقَدْ لَا يَعْتَقِدُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَكِنَّهُ يَكُونُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلْغَاصِبِ فَيُعْطِيهِ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ وَيَأْخُذُهُ مِنْهُ وَهُمَا يَظُنَّانِ أَنَّهُ مِلْكُهُ فَهَذَا لَا يُوصَفُ بِالتَّحْرِيمِ أَلْبَتَّةَ مَا دَامَ حَالُهُ مَجْهُولًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ صِفَتَانِ لِلْأَعْيَانِ فَقَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ وَهُوَ إطْلَاقٌ مَجَازِيٌّ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ حُصُولَ الْإِثْمِ بِهِ هَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَقِيهٌ وَلَا أُصُولِيٌّ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ الْمَجَازِيُّ ارْتَكَبَهُ كَثِيرُونَ مِنْ جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ حَتَّى قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَتْلَ الْخَطَأِ حَرَامٌ قُلْت: وَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَجَمِيعُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمَأْخُوذُ فِيهَا مَوْصُوفٌ بِالْحِلِّ حَالٌّ مَحَلَّ الْأَوَّلِ ظَاهِرًا حَتَّى يَعْلَمَ الْآخِذُ مِمَّا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ إزَالَةُ يَدِهِ عَنْهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَغُرْمُهُ إنْ كَانَ تَالِفًا.
إذَا عُرِفَ ذَلِكَ جِئْنَا إلَى مَسْأَلَتِنَا، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَالُ كَانَ حَرَامًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالْقَابِضُ يَظُنُّهُ حَلَالًا فَالْحَقُّ أَنَّهُ يُنَزَّلُ فِي الْحِلْيَةِ مَنْزِلَةَ الْأَوَّلِ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ حَالُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَا يَتَّجِهُ الِاسْتِشْكَالُ فِيهِ وَلَا الْقَوْلُ بِحِلِّهِ بَاطِنًا وَمِلْكِ الْقَابِضِ لَهُ سَوَاءٌ قُلْنَا: التَّحْرِيمُ وَالتَّحْلِيلُ رَاجِعَانِ لِلْأَفْعَالِ أَوْ لِلْأَعْيَانِ.
وَقَوْلُ السَّائِلِ: إنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَذِكْرُهُ الْمَسْأَلَةَ الْمَذْكُورَةَ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ مُنْطَبِقًا عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَهِيَ مَا إذَا عَلِمَ الْقَابِضُ تَحْرِيمَ الْمَقْبُوضِ مِنْ غَيْرِ الْقِسْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ كَمَا إذَا رَأَى مُسْلِمٌ مُسْلِمًا يَبِيعُ الْخَمْرَ أَوْ الْمَيْتَةَ أَوْ الْخِنْزِيرَ وَقَبَضَ ثَمَنَ ذَلِكَ أَوْ نَهَبَ أَمْوَالَ النَّاسِ أَوْ سَرَقَ أَوْ قَبَضَ مَالًا مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ مِمَّا لَا شُبْهَةَ فِي تَحْرِيمِهِ وَأَحْضَرَ ذَلِكَ الْمَالَ بِعَيْنِهِ إلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ وَجَدَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ فِي يَدِهِ فَلَا يَحِلُّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَخْذُهُ وَلَا قَبْضُهُ وَلَا وَضْعُ يَدِهِ عَلَيْهِ وَمَتَى فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ غَاصِبًا ظَالِمًا وَكَانَ الْمَالُ مُسْتَمِرَّ التَّحْرِيمِ فِي يَدِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّهُ لَهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ رَدُّهُ إلَى الَّذِي قَبَضَهُ مِنْهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَلَا يُبْقِيه فِي يَدِهِ وَهَذَا فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ غَيْرِ النُّقُودِ وَلَا أَعْتَقِدُ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا النُّقُودُ فَإِنْ