فتوجه أخو نهشل إلى السجن المقفل ولأم صاحبه أبا نوفل وزاد في التعنيف وقال أيها الأخ الظريف ألم تعلم أن الشخص إذا تكلم يضبط كلامه عليه ويعود محصول ما يلفظ به إليه وقد قال الرب المجيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وإن كثرة الكلام تضر بالنفس أكثر مما يضر بالبدن الطعام وكل هذا المصاب إنما جاء من قبل الإعجاب وكثرة الكلام والغرور وعدم التأمل في عواقب الأمور قال الشاعر:
ما أن ندمت على سكوتي مرة ... ولقد ندمت على الكلام مراراً
قال حكماء الهند وفضلاء السند ما دام الكلام في الفؤاد ولم يبد منه على اللسان باد ولم يصب منه سائل حرف في صدفة الآذان أو وعاء الطرف فهو كالبنت البكر المشهورة الذكر كل أحد يخطبها ويميل إليها ويطلبها ويتمنى أن يراها ويترشف لساها فإن ألقى إلى المسامع ووعاه كل ناظر وسامع فهو كالعجوز الشوها إذا سلوها وقلوها وهي تلازم صباحاً ومساء ويفر منها الرجال والنساء ويحيد كل أحد عنها فإذا تكلمت أسكتت وإذا سلمت أعرض عنها وقال بعض الحكماء اللسان أسد وهو حارس الرأس والجسد إن حبسته حرسك وإن أطلقته حبسك وإن سلطته افترسك وقالوا الكلام أسيرك ما لم تبده فإن تكلمت به فأنت أسيره قال بعض الحكماء أنا على ما لم أقل أقدر مني على ما قلت وقال عيسى صلوات الله عليه العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلا عن ذكر الله وواحد منها في ترك مجالسة السفهاء