وكان السلطان الفاتح يحترم العلماء وأهل الورع والتقى وقد تستبد به في بعض الاحيان نزوة جامعة او غضبة طارئة ولكنه ما يلبث إلا أن يعود الى وقاره واحترامه لهم.
وتحدثنا كتب التاريخ أن السلطان محمد بعث مع احد خدامه بمرسوم الى الشيخ احمد الكوراني - وكان حين ذاك يتولى قضاء العسكر- فوجد فيه أمراً يخالف الشرع فمزقه وضرب الخادم. وشق ذلك على السلطان محمد وغضب من فعل الشيخ وعزله من منصبه، ووقع بينهما نفور وجفوة ورحل الكوراني الى مصر حيث استقبله سلطانها قيتباي وأكرمه غاية
الاكرام واقام عنده برهة من الزمن. ومالبث الفاتح أن ندم على ماكان منه فكتب الى السلطان قيتباي يطلب منه ان يرسل إليه الشيخ الكوراني (فحكى السلطان قيتباي كتاب السلطان محمد خان للشيخ الكوراني ثم قال له لا تذهب إليه فاني اكرمك فوق مايكرمك هو. قال: نعم هو كذلك إلا أن بيني وبينه محبة عظيمة كما بين الوالد والولد. وهذا الذي جرى بيننا شيء آخر وهو يعرف ذلك مني ويعرف أني أميل إليه بالطبع فاذا لم أذهب إليه يفهم ان المنع من جانبك فتقع بينكما عداوة. فاستحسن السلطان قيتباي هذا الكلام واعطاه مالاً جزيلاً وهيأ له مايحتاج إليه من حوائج السفر وبعث معه هدايا عظيمة الى السلطان محمد خان. واسند إليه الفاتح القضاء ثم الافتاء واجزل له من العطاء واكرمه اكراماً لامزيد عليه (?).
قال عنه الشوكاني: ( .. وانتقل من قضاء العسكر الى منصب الفتوى وتردد إليه الأكابر وشرح (جمع الجوامع) وكثر تعقبه للمحلى (جلال الدين المحلي المفسر) وعمل تفسيراً، وشرحاً للبخاري وقصيدة في علم العروض نحو ستمائة بيت. وأنشأ بأسطنبول جامعاً ومدرسة سماها دار الحديث وانشالت عليه الدنيا وعمر الدور وانتشر علمه فأخذ عليه الأكابر وحج في سنة 761هـ احدى وستين وسبعمائة ولم يزل على جلالته حتى (مات) في أواخر سنة 793هـ ثلاث وتسعين وسبعمائة وصلى عليه السلطان فمن دونه ومن مطالع قصائده في مدح سلطانه: