العلم ما أخفي من الناس، وقال سفيان الثوري رحمه الله: كل شيء أظهرته من عملي فلا أعده شيئا لعجز أمثالنا عن الإخلاص إذا رآه الناس وقال: كل عالم تكبر حلقة درسه طرأ له العجب بنفسه وكان لا يترك أحدا يجلس إليه إلا نحو ثلاثة فغفل يوما فرأى الحلقة قد كبرت فقام فزعا وقال: أخذنا والله ولم نشعر، ولما ترك التحديث قالوا له في ذلك فقال: والله لو علمت أن أحدا منهم يطلب العلم لله عزّ وجلّ لذهبت إلى منزله وعلمته ولم أحوجه للمجيء إليّ ومرّ الحسن البصري على طاوس وهو يملي الحديث في الحرم في حلقة كبيرة فقال له في أذنه: إن كانت نفسك تعجبك فقم من هذا المجلس فقام فورا.
ومرّ إبراهيم بن أدهم على حلقة بشر الحافي فأنكر عليه وقال: لو كانت هذه الحلقة لأحد من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ما أمن على نفسه العجب، وقال حاتم الأصم: لا يجلس لتعليم العلم في المساجد إلا جامع للدنيا أو جاهل بما عليه في ذلك من الواجبات. وكان الإمام النووي رحمه الله إذا دخل عليه أمير غفلة وهو يدرس العلم يتكدر لذلك، وإذا بلغه أن أحدا من الأكابر عزم على زيارته في يوم درسه لا يدرس العلم ذلك اليوم خوفا من أن يراه ذلك الأمير وهو في محل محفله ودرسه ويقول:
إن من علامات المخلص أن يتكدر إذا اطلع الناس على عمله كما يتكدر إذا اطلعوا عليه وهو يمضي فإنّ فرح النفس بذلك معصية وربما كان الرياء أشد من كثير من المعاصي وقيل ليحيى بن معاذ: متى يكون الرجل مخلصا فقال:
إذا صار خلقه خلق الرضيع لا يبالي من مدحه أو ذمه.
وقيل لذي النون المصري: متى يعلم العبد أنه من المخلصين؟ فقال: إذا بذل المجهود في الطاعة وأحب سقوط المنزلة عند الناس، وقال الأنطاكي: من طلب الإخلاص في أعماله الظاهرة وهو يلاحظ الخلق بقلبه فقد رام المحال.
وقال يوسف بن أسباط: ما حاسبت نفسي قط إلا وظهر لي أني مراء