وجه الله ولم يبلغنا أن أحدا من السلف الصالح كان يفعل ذلك وإنما كان الرجل إذا طلب أن يأذنوا له في الفتيا يجمع له ثمانية من العلماء كل واحد يسأله عن خمس مسائل من غامضات المسائل فإن أجاب عنها من غير كشف في كتاب أذنوا له في الفتيا وإلا قالوا له اشتغل حتى تتأهل لذلك هذا الذي بلغنا، فما كانوا يفعلون ذلك إلا نصيحة واحتياطا للأمة لا فخرا وعجبا ومباهاة بالعلم انتهى.
فإن قلت: سيأتي أن حضور الختم مستحب وأن السلف كانوا يحضرونه وبعضهم يأمر بحضور أهله. فالجواب: نعم لكن ليس الحضور كالحضور ولا النيات كالنيات فإن
أكثر ختمهم ختم تلاوة وليس بمستغرب في زمانهم لكثرة وقوعه ليلا ونهارا فلا يدخل النفس ما يدخل في هذا الختم المحدث ولا يحضرهم في الغالب إلا من لا يراءون به لكثرة خلطتهم له كأهليهم فحكمهم معهم كحكم راعي الحيوان يعبد الله طول نهاره بحضرتها ولا يقع في قلبه من رؤيتها شيء وعلى تقدير لو حضرهم أحد من الأكابر كما كان ابن عباس- رضي الله عنهما- يجعل رجلا يراقب قراءة بعض السلف فإذا أراد الختم أعلمه ذلك الرجل فيشهد الختم لكان ودهم أن لا يحضر ويكرهون ذلك غاية الكراهة والله يعلم منهم صدق ذلك، وقد كان الأقوياء في دين الله الذين هم كالجبال الرواسي السالمين من أمراض القلوب الذين لا يميلون من العمل بما عملوا يتحرزون التحرز التام مما ربما يدخل عليهم شوائب الرياء ومع ذلك يتهمون أنفسهم أنها لم تخلص في أعمالها فكان الحسن البصري- رضي الله عنه- يقول في معاتبته لنفسه تتكلمين بكلام الصالحين القانتين العابدين وتفعلين فعل الفاسقين المنافقين المرائين والله ما هذه صفات المخلصين. وكان مثل الفضيل بن عياض رحمه الله يقول: من لم يكن في أعماله أكيس من ساحر وقع في الرياء وكان يقول: ما دام العبد يستأنس بالناس فلا يسلم من الرياء وكان يقول: خير