وفي هذين الحديثين، وحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- الذي قبلهما بيان الفرق بين البكاء الجائز والبكاء المحرم.
وأما تعذيب الميت ببكاء أهله عليه ففيه أقوال للعلماء، وأصحها؛ أن المراد بذلك التألم من توبيخ الملائكة له بسبب النياحة عليه وما يصيبه منهم من الجبذ واللهز والتعتعة، ويدل على ذلك حديث أبي موسى، وقصة عبد الله بن رواحة، والله أعلم.
وإذا عرف أن النياحة كفر أصغر، وأنها من أمر الجاهلية، وما يلحق النائحة والمستمعة من اللعن، وما جاء من الوعيد الشديد للنائحة، وأن الميت يعذب في قبره بما نيح عليه، فليعلم أيضا أن النياحة فاشية في هذه الأزمان وما قبلها في كثير من المسلمين، وهي في هذه الأزمان على أضرُب كثيرة.
منها: رفع الصوت بالبكاء والعويل، ويصدر هذا كثيرًا من بعض السفيهات من نساء الحاضرة، وهو في نساء البوادي أكثر.
ومنها: الدعاء بالويل والثبور وما في معنى ذلك من دعوى الجاهلية، وهذا كثير جدًا في نساء البادية.
ومنها: رفع الصوت بتعديد محاسن الميت، والتأسف عليه وإظهار الجزع، وهذا أيضا كثير في نساء البادية.
ومنها: شق الجيوب، وهو كثير في نساء البادية أيضًا، وربما فعله بعض السفهاء من الرجال.