وَمِنْ الْمُبَاحِ نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ مَا دُونَ الرُّكْبَةِ وَفَوْقَ السُّرَّةِ، وَكَذَا رَجُلٌ مَعَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مَعَ رَجُلٍ، فَإِنَّهَا تَنْظُرُ مِنْهُ غَيْرَ مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ وَعَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تَنْظُرَ مِنْ الرَّجُلِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ آدَابِ النِّسَاءِ: وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الْعِشْقِ إطْلَاقُ الْبَصَرِ، وَكَمَا يُخَافُ عَلَى الرَّجُلِ مِنْ ذَلِكَ يُخَافُ عَلَى الْمَرْأَةِ، قَالَ: وَقَدْ ذَهَبَ دِينُ خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَعَبِّدِينَ بِإِطْلَاقِ الْبَصَرِ وَمَا جَلَبَهُ، فَلْيُحْذَرْ مِنْ ذَلِكَ. انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ مُوسَى الْحَجَّاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآدَابِ: وَجَدْت فِي ظَهْرِ وَرَقَةٍ فِي كِتَابٍ أَبْيَاتًا مَنْظُومَةً كَأَنَّهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ جَوَابُ سُؤَالِ رَجُلٍ كَانَ يُعَلِّمُ أَوْلَادًا مُرْدًا فَخَافَ أَنْ تَمِيلَ نَفْسُهُ إلَيْهِمْ أَوْ كَادَتْ تَمِيلُ، هَذَا مَا وَجَدْت:
أَيَا سَائِلًا بِاَللَّهِ إنْ كُنْت ذَا تُقًى ... وَتَرْجُو ثَوَابَ اللَّهِ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ
فَإِيَّاكَ وَالْأَحْدَاثَ لَا تَقْرَبَنَّهُمْ ... وَلَا تُرْسِلَنَّ الطَّرْفَ فِيهِمْ عَلَى عَمْدٍ
وَإِرْسَالُ طَرْفٍ مِنْك لَا تَحْقِرَنَّهُ ... فَفِي ضِمْنِهِ سَهْمٌ يَفُوقُ عَلَى الْهِنْدِ
فَإِنَّك إنْ أَرْسَلْت طَرْفَك رِئْدًا ... تُمَتِّعُهُ يَا صَاحِ بِالنَّاعِمِ الْخَدِّ
تَبُوءُ بِإِثْمٍ ثُمَّ تُسْلَبُ أَنْعُمًا ... ثَلَاثًا بِهِنَّ اللَّهُ يَهْدِي إلَى الرُّشْدِ
حَلَاوَةُ إيمَانٍ وَنُورُ فِرَاسَةٍ ... وَثَالِثُهَا إيمَانُ ذِي الْقُوَّةِ الْجَلْدِ
فَمَا بَعْدَ ذَا الْخُسْرَانِ رِبْحٌ فَخَلِّهِمْ ... يُعَلِّمُهُمْ ذُو عِفَّةٍ حَسَنُ الْقَصْدِ
وَنَاظِمُهَا يُسَمَّى ابْنَ جَمَالٍ أَحْمَدَ ... هُوَ الْحَنْبَلِيُّ بِالشُّكْرِ يَخْتِمُ وَالْحَمْدِ
(تَنْبِيهٌ ثَانٍ) : قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فِي كِتَابِهِ رَوْضَةِ الْمُحِبِّينَ وَنُزْهَةِ الْمُشْتَاقِينَ فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30] {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31] : لَمَّا كَانَ غَضُّ الْبَصَرِ أَصْلًا لِحِفْظِ الْفَرْجِ بَدَأَ بِذِكْرِهِ، وَلَمَّا كَانَ تَحْرِيمُهُ تَحْرِيمَ الْوَسَائِلِ فَيُبَاحُ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ وَيَحْرُمُ إذَا خِيفَ مِنْهُ الْفَسَادُ وَلَمْ يُعَارِضْهُ مَصْلَحَةٌ أَرْجَحُ مِنْ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ لَمْ يَأْمُرْ سُبْحَانَهُ بِغَضِّهِ مُطْلَقًا، بَلْ أَمَرَ بِالْغَضِّ مِنْهُ.
وَأَمَّا حِفْظُ الْفَرْجِ فَوَاجِبٌ بِكُلِّ