قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَكُلُّ عَيْبٍ وَخَلَلٍ فِي الشَّيْءِ فَهُوَ عَوْرَةٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا. وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ مَكْحُولٍ مُرْسَلًا قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ وَلَكِنْ لَهَا أَشْرَاطٌ وَتَقَارُبُ أَسْوَاقٍ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَقَارُبُ أَسْوَاقِهَا؟ قَالَ كَسَادُهَا وَمَطَرٌ وَلَا نَبَاتَ، وَأَنْ تَفْشُوَ الْغِيبَةُ، وَتَكْثُرَ أَوْلَادُ الْبَغِيَّةِ، وَأَنْ يُعَظَّمَ رَبُّ الْمَالِ، وَأَنْ تَعْلُوَ أَصْوَاتُ الْفَسَقَةِ فِي الْمَسَاجِدِ، وَأَنْ يَظْهَرَ أَهْلُ الْمُنْكَرِ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ. قَالَ رَجُلٌ فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ فِرَّ بِدِينِك وَكُنْ حِلْسًا مِنْ أَحْلَاسِ بَيْتِك» .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي. قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ كُونُوا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُمْ» قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: الْحِلْسُ هُوَ الْكِسَاءُ الَّذِي يَلِي ظَهْرَ الْبَعِيرِ تَحْتَ الْقَتَبِ، يَعْنِي الْزَمُوا بُيُوتَكُمْ فِي الْفِتَنِ كَلُزُومِ الْحِلْسِ لِظَهْرِ الدَّابَّةِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَطَالِعِ فِي قَوْلِهِ تُلْبَسُ شَرُّ أَحْلَاسِهَا أَيْ دَنِيءُ ثِيَابِهَا، وَأَصْلُهُ مِنْ الْحِلْسِ وَهُوَ كِسَاءٌ أَوْ لِبْدٌ يُجْعَلُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ تَحْتَ الْقَتَبِ يُلَازِمُهُ.
قَالَ: وَمِنْهُ يُقَالُ فُلَانٌ حِلْسُ بَيْتِهِ أَيْ مُلَازِمُهُ، وَنَحْنُ أَحْلَاسُ الْخَيْلِ أَيْ الْمُلَازِمُونَ لِظُهُورِهَا. وَمِنْهُ فِي إسْلَامِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَلُحُوقِهَا بِالْقِلَاصِ وَأَحْلَاسِهَا أَيْ رُكُوبِهَا إيَّاهَا، انْتَهَى. وَفِي الْقَامُوسِ: الْحِلْسُ بِالْكَسْرِ كِسَاءٌ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ تَحْتَ الْبَرْدَعَةِ وَيُبْسَطُ فِي الْبَيْتِ تَحْتَ حَرِّ الثِّيَابِ، وَيُحَرَّكُ وَيُجْمَعُ عَلَى أَحْلَاسَ وَحُلُوسٍ وَحِلَسَةٍ. قَالَ وَهُوَ حِلْسُ بَيْتِهِ إذَا لَمْ يَبْرَحْ مَكَانَهُ، انْتَهَى.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَصْحَابِهِ: كُونُوا يَنَابِيعَ الْحُكْمِ، مَصَابِيحَ الْحِكْمَةِ سُرُجَ اللَّيْلِ جُدُدَ الْقُلُوبِ أَحْلَاسَ الْبُيُوتِ، خُلْقَانَ الثِّيَابِ، تُعْرَفُونَ فِي السَّمَاءِ وَتُخْفَوْنَ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، كَمَا فِي شَرْحِ الْإِسْلَامِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ: