وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَفْظُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ، وَالصَّدَقَةُ تَطْفِيءُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَالصَّلَاةُ نُورُ الْمُؤْمِنِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ مِنْ النَّارِ» .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَتَحَاسَدُوا» .
وَفِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ «لَيْسَ مِنِّي ذُو حَسَدٍ» .
وَرَوَى الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «دَبَّ إلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ، وَأَمَّا إنِّي لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ» .
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ ذَكَرْت مِنْ صَرِيحِ الْآثَارِ، وَصَحِيحِ الْأَخْبَارِ، مَا يُنَفِّرُ عَنْ الْحَسَدِ وَيُبْعِدُ عَنْهُ كُلَّ أَحَدٍ، لَكِنَّ الْحَسَدَ مَرَضٌ بَاطِنِيٌّ، فَكَيْفَ السَّبِيلُ إلَى زَوَالِهِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْآدَمِيَّ قَدْ جُبِلَ عَلَى حُبِّ الرِّفْعَةِ، فَلَا يُحِبُّ أَنْ يَعْلُوَ عَلَيْهِ أَحَدٌ فِي نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِ الدُّنْيَا، فَإِذَا عَلَا أَحَدٌ عَلَيْهِ شَقَّ عَلَيْهِ وَأَحَبَّ زَوَالَ مَا عَلَا بِهِ.
وَمُعَالَجَةُ ذَلِكَ تَارَةً بِالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّهَا لَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، فَلَا وَجْهَ لِلْمُنَافَسَةِ فِيهَا عِنْدَ الْعُقَلَاءِ، وَتَارَةً بِالرِّضَا بِالْقَضَاءِ، فَإِنَّك إنْ لَمْ تَرْضَ لَمْ تَحْصُلْ إلَّا عَلَى النَّدَمِ وَفَوَاتِ الثَّوَابِ، وَغَضَبِ رَبِّ الْأَرْبَابِ، فَهُمَا مُصِيبَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ، وَلَيْسَ لِلْعَاقِلِ حِيلَةٌ فِي دَفْعِ الْقَضَاءِ فَعَلَيْهِ بِالرِّضَا.
وَلِذَا قُلْت:
مَا لِي عَلَى مُرِّ الْقَضَا ... مِنْ حِيلَةٍ غَيْرِ الرِّضَا
أَنَا فِي الْهَوَى عَبْدٌ وَمَا ... لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَعَرَّضَا