مَقَامِ الرِّضَا، فَإِنَّهُ يَشْهَدُ الْمُصِيبَةَ نِعْمَةً، وَالْمِحْنَةَ مِنْحَةً فَيَشْكُرُ الْمُبْلِيَ عَلَيْهَا.

قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَمَّا الرِّضَا فَمَنْزِلَةٌ عَزِيزَةٌ أَوْ مَنِيعَةٌ، وَلَكِنْ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ فِي الصَّبْرِ مِعْوَلًا حَسَنًا.

وَقَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ: الرِّضَا بَابُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ، وَجَنَّةُ الدُّنْيَا، وَسِرَاجُ الْعَابِدِينَ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «الصَّبْرُ رِضًا» فَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَهْلِ الْمَصَائِبِ؛ إذْ سَمَّى الصَّبْرَ رِضًا، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ النَّاظِمِ.

فَإِنْ قِيلَ: غَالِبُ النَّاسِ يَصْبِرُونَ وَلَا يَرْضُونَ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الرِّضَا بِالْمَكْرُوهِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ نُفُورَ الطَّبْعِ عَنْ الْمَكْرُوهِ لَا يُنَافِي رِضَا الْقَلْبِ بِالْمَقْدُورِ، فَإِنَّا نَرْضَى عَنْ اللَّهِ وَنَرْضَى بِقَضَائِهِ وَإِنْ كَرِهْنَا الْمَقْضِيَّ.

وَفِي صَيْدِ الْخَاطِرِ لِلْإِمَامِ الْحَافِظِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ: الرِّضَا مِنْ جُمْلَةِ ثَمَرَاتِ الْمَعْرِفَةِ، فَإِذَا عَرَفْته رَضِيت بِقَضَائِهِ، وَقَدْ يَجْرِي فِي ضِمْنِ الْقَضَاءِ مَرَارَاتٌ يَجِدُ بَعْضَ طَعْمِهَا الرَّاضِي، وَأَمَّا الْعَارِفُ فَتَقِلُّ عِنْدَهُ الْمَرَارَةُ لِقُوَّةِ حَلَاوَةِ الْمَعْرِفَةِ، فَإِذَا تَرَقَّى بِالْمَعْرِفَةِ إلَى الْمَحَبَّةِ صَارَتْ مَرَارَةُ الْأَقْدَارِ حَلَاوَةً كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:

عَذَابُهُ فِيك عَذْبٌ ... وَبَعْدُهُ فِيك قُرْبٌ

وَأَنْتَ عِنْدِي كَرُوحِي ... بَلْ أَنْتَ مِنْهَا أَحَبُّ

حَسْبِي مِنْ الْحُبِّ أَنِّي ... لِمَا تُحِبُّ أُحِبُّ

وَقَالَ بَعْضُ الْمُحِبِّينَ فِي هَذَا الْمَعْنَى:

وَيَقْبُحُ مِنْ سِوَاك الْفِعْلُ عِنْدِي ... فَتَفْعَلُهُ فَيَحْسُنُ مِنْك ذَاكَا

فَإِنْ قِيلَ: بِمَاذَا أُرْضَى قَدْرَ رَبِّي، أَرْضَى فِي أَقْدَارِهِ بِالْمَرَضِ وَالْفَقْرِ، أَفَأَرْضَى بِالْكَسَلِ عَنْ خِدْمَتِهِ وَالْبُعْدِ عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَبَيِّنِ لِي مَا الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَ الرِّضَا مِمَّا لَا يَدْخُلُ؟ فَقُلْت لَهُ: نَعَمْ مَا سَأَلْت فَاسْمَعْ الْفَرْقَ سَمَاعَ مَنْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.

ارْضَ بِمَا مِنْهُ.

فَأَمَّا الْكَسَلُ وَالتَّخَلُّفُ فَذَاكَ مَنْسُوبٌ إلَيْك فَلَا تَرْضَ بِهِ مِنْ فِعْلِك، وَكُنْ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ عَلَيْك مُنَاقِشًا نَفْسَك فِيمَا يُقَرِّبُك مِنْهُ غَيْرَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015