فَإِنْ فَعَلْت كَذَلِكَ (وَ) رَضَتْ نَفْسُك عَلَى هَذِهِ الْأَخْلَاقِ (تُزَدْ رِزْقًا) مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَإِنَّهُ يَرْزُقُ عِبَادَهُ سِيَّمَا الَّذِينَ انْسَلَخُوا عَنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ، وَطَرَحُوا عَلَى أَبْوَابِ الرَّجَاءِ وَالْمِنَّةِ، فَهُمْ عَلَيْهِ مُتَوَكِّلُونَ، وَإِلَيْهِ مُتَضَرِّعُونَ، وَعَلَى أَبْوَابِهِ وَاقِفُونَ، وَلِمِنَحِهِ مُنْتَظِرُونَ، فَإِنْ كُنْت مِنْهُمْ تُزَدْ رِزْقًا (وَ) تُزَدْ (إرْغَامَ) أَيْ ذُلَّ وَبَتْكَ وَإِهَانَةَ (حُسَّدِ) جَمْعُ حَاسِدٍ.
وَأَصْلُ الرِّغَامِ التُّرَابِ، كَأَنَّك لِشَرَفِ نَفْسِك وَرِضَاك بِقِسْمَةِ مَوْلَاك جَعَلْت أُنُوفَ أَعْدَائِك مُلْصَقَةً بِالتُّرَابِ، وَالْحَاسِدُ عَدُوُّ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَطْلُبُ زَوَالَهَا مِمَّنْ نَالَهَا، وَهُوَ مِنْ إسَاءَةِ الْأَدَبِ عَلَى غَايَةٍ، وَلِذَا قِيلَ شِعْرٌ:
أَلَا قُلْ لِمَنْ كَانَ لِي حَاسِدًا ... أَتَدْرِي عَلَى مَنْ أَسَأْت الْأَدَبْ
أَسَأْت عَلَى اللَّهِ فِي حُكْمِهِ ... لِأَنَّك لَمْ تَرْضَ مَا قَدْ وَهَبْ
فَجَازَاك رَبِّي بِأَنْ زَادَنِي ... وَسَدَّ عَلَيْك وُجُوهَ الطَّلَبْ
(تَنْبِيهٌ) : قَدْ تَضَمَّنَ بَيْتُ النَّاظِمِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: الشُّكْرُ، وَالرِّضَا، وَإِرْغَامُ أَهْلِ الْحَسَدِ، وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ ذَمُّ الْحَسُودِ.
فَأَمَّا الرِّضَا فَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ، وَهُوَ إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَكَمَالُهُ هُوَ الْحَمْدُ، حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ فَسَّرَ الْحَمْدَ بِالرِّضَا، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حَمْدُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الرِّضَا بِقَضَائِهِ.
وَالرِّضَا بِالْمَصَائِبِ أَشَقُّ عَلَى النُّفُوسِ مِنْ الصَّبْرِ، وَإِنْ كَانَ الصَّبْرُ مِنْ أَشَقِّ الْأَشْيَاءِ عَلَى النُّفُوسِ.
وَفِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ» .
مَطْلَبٌ: الرِّضَا بِالْقَضَاءِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ؟
وَقَدْ تَنَازَعَ عُلَمَاؤُنَا وَغَيْرُهُمْ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ، هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ عَلَى قَوْلَيْنِ:
فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مِنْ أَعْمَالِ الْمُقْتَصِدِينَ.
وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ مِنْ أَعْمَالِ الْمُقَرَّبِينَ.
ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
فَالْعَبْدُ قَدْ يَصْبِرُ عَلَى الْمُصِيبَةِ، وَلَا يَرْضَى.
فَالرِّضَا أَعْلَى مَقَامِ الصَّبْرِ، لَكِنَّ الصَّبْرَ اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِهِ، وَالرِّضَا اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِهِ، وَالشُّكْرُ أَعْلَى مِنْ