قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا كَرَاهِيَةُ الْعِمَامَةِ الصَّمَّاءِ.
بَلْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ وَشَارِحُ الْمُنْتَهَى م ص كَالْمُصَنِّفِ، وَبَنَوْا عَلَيْهِ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ مَسْحِ الْعِمَامَةِ الصَّمَّاءِ لِذَلِكَ قَالُوا: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْعِمَامَةُ مُحَنَّكَةً وَلَا ذَاتَ ذُؤَابَةٍ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِي نَزْعِهَا كَالْكُتْلَةِ؛ وَلِأَنَّهَا تُشْبِهُ عَمَائِمَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَدْ نَهَى عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ.
قَالَ الشَّيْخُ: الْمَحْكِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الْكَرَاهَةُ، وَلَمْ يَمْنَعْ هُوَ يَعْنِي الشَّيْخَ الْمَسْحَ.
قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ التَّرَخُّصَ كَسَفَرِ النُّزْهَةِ.
قَالَ تِلْمِيذُهُ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ أَيْضًا: وَلَعَلَّ ظَاهِرَ مَنْ جَوَّزَ الْمَسْحَ إبَاحَةُ لُبْسِهَا، وَهُوَ مُتَّجَهٌ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.
وَتُحْمَلُ كَرَاهَةُ السَّلَفِ عَلَى الْحَاجَةِ إلَى التَّحْنِيكِ لِمُجَاهِدٍ أَوْ غَيْرِهِ، مَعَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا هِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَالْحَسَنِ وَطَاوُسٍ وَالثَّوْرِيِّ.
قَالَ: وَفِي الصِّحَّةِ أَيْ صِحَّةِ الْكَرَاهَةِ عَمَّنْ ذُكِرَ نَظَرٌ. انْتَهَى.
وَفِي الْآدَابِ: لَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ الْعِمَامَةِ الْمُحَنَّكَةِ وَكَرَاهَةِ الصَّمَّاءِ انْتَهَى.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ اسْتِحْبَابُ التَّحَنُّكِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالذُّؤَابَةُ، فَإِنْ فُقِدَا كَانَتْ الْعِمَامَةُ مَكْرُوهَةً.
هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ.
قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمِيعِ عُلَمَائِنَا اعْتِبَارُ كَوْنِ الذُّؤَابَةِ مِنْ الْعِمَامَةِ لَا مِنْ غَيْرِهَا.
وَفِي فَتَاوَى الْحَافِظِ السَّخَاوِيِّ أَنَّ بَعْضَهُمْ نَسَبَ إلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: كَانَتْ الْعَذْبَةُ فِي السَّفَرِ مِنْ غَيْرِ الْعِمَامَةِ وَفِي الْحَضَرِ مِنْهَا.
قَالَ السَّخَاوِيُّ: وَهَذَا شَيْءٌ مَا عَلِمْنَاهُ. انْتَهَى.
وَأَظُنُّ أَنَّ شَيْخَنَا التَّغْلِبِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ لِي: إنْ كَانَتْ الْعَذْبَةُ مِنْ غَيْرِ الْعِمَامَةِ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا الْمَسْحُ وَزَالَتْ الْكَرَاهَةُ، فَإِنْ كَانَ قَالَ هَذَا فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ لَجَوَّزْنَا الْمَسْحَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(السَّادِسُ) : قَدْ عَلِمْت أَنَّ التَّحَنُّكَ مَسْنُونٌ، وَهُوَ التَّلَحِّي قَالَ الشَّمْسُ الشَّامِيُّ: التَّلَحِّي سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ.
وَقَالَ