وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ: لَا يُكْرَهُ غَسْلُ الْيَدَيْنِ فِي الْإِنَاءِ الَّذِي أُكِلَ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ، وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ وَلَمْ تَزَلْ الْعُلَمَاءُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ، وَإِنَّمَا تُنْكِرُهُ الْعَامَّةُ.
(الرَّابِعُ) : يُسْتَحَبُّ أَنْ يُجْعَلَ مَاءَ الْأَيْدِي فِي طَسْتٍ وَاحِدٍ لِلْخَبَرِ «لَا تُبَدِّدُوا يُبَدِّدْ اللَّهُ شَمْلَكُمْ» ذَكَرَهُ فِي الْآدَابِ، وَقَالَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يُرْفَعَ الطَّسْتُ حَتَّى يَطُفَّ» يَعْنِي يَمْتَلِئَ قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلُهَا ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَيُكْرَهُ) غَسْلُ الْيَدَيْنِ (بِ) الشَّيْءِ (الْمَطْعُومِ) كَالدَّقِيقِ مِنْ الْبُرِّ، وَالْحِمَّصِ، وَالْعَدَسِ وَنَحْوِهَا وَلِذَا قَالَ (غَيْرَ مُقَيَّدِ) بِمَطْعُومٍ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَقْوَاتِ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: يُسْتَدَلُّ عَلَى كَرَاهَةِ الِاغْتِسَالِ بِالْأَقْوَاتِ بِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى خَلْطِهَا بِالْأَدْنَاسِ، وَالْأَنْجَاسِ فَنَهَى عَنْهُ كَمَا نَهَى عَنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِهَا قَالَ: وَالْمِلْحُ لَيْسَ قُوتًا، وَإِنَّمَا يَصْلُحُ بِهِ الْقُوتُ، وَأَمَّا إنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى اسْتِعْمَالِ الْأَقْوَاتِ كَاللَّبَنِ وَالدَّقِيقِ لِلْجَرَبِ وَنَحْوِهِ وَالدَّبْغِ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ رَخَّصَ فِيهِ كَمَا رَخَّصَ فِي قَتْلِ دُودِ الْقَزِّ بِالتَّشْمِيسِ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ إذْ لَا تَكُونُ حُرْمَةُ الْقُوتِ أَعْظَمَ مِنْ حُرْمَةِ الْحَيَوَانِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَبِهَذَا قَدْ يُجَابُ عَنْ الْمِلْحِ بِأَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ، وَعَلَى هَذَا فَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهَذَا الْأَصْلِ الشَّرْعِيِّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ إهَانَتِهَا بِوَضْعِ الْإِدَامِ فَوْقَهَا كَمَا ذَكَرَهُ سَيِّدُنَا عَبْدُ الْقَادِرِ.
وَدَلِيلٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِلَعْقِ الْأَصَابِعِ وَالصَّحْفَةِ وَأَخْذِ اللُّقْمَةِ السَّاقِطَةِ وَإِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْهَا كُلُّ ذَلِكَ لِئَلَّا يَضِيعَ شَيْءٌ مِنْ الْقُوتِ، وَالتَّدَلُّكُ بِهِ إضَاعَةٌ لِقِيَامِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ، وَهُوَ مِنْ نَوْعِ التَّبْذِيرِ الَّذِي هُوَ مِنْ فِعْلِ الشَّيْطَانِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي آدَابِهِ: وَسُئِلْت عَنْ غَسْلِ الْأَيْدِي بِالْمِسْكِ فَقُلْت: إنَّهُ إسْرَافٌ بِخِلَافِ تَتَبُّعِ الدَّمِ بِالْفُرْصَةِ الْمَسْكَةِ، فَإِنَّهُ يَسِيرٌ لِلْحَاجَةِ، وَهَذَا كَثِيرٌ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَاسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي غَيْرِ التَّطَيُّبِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ كَاسْتِعْمَالِ الْقُوتِ فِي غَيْرِ التَّقَوُّتِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَحَدِيثُ الْبَقَرَةِ إنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِلرُّكُوبِ يُسْتَأْنَسُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ غَسْلُ الْيَدِ بِطِيبٍ، وَلَوْ كَثُرَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ انْتَهَى. وَعَدَمُ الْكَرَاهَةِ الْمَذْهَبُ، وَكَذَا الْغُسْلُ بِالنُّخَالَةِ الْخَالِصَةِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ نَصَّ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.