وَتَغَدَّى أَكَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ وَغَدَّيْته تَغْدِيَةً فَهُوَ غَدْيَانُ، وَهِيَ غَدْيَا، وَالْغُدْوَةُ بِالضَّمِّ الْبُكْرَةُ، أَوْ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ كَالْغَدَاةِ، وَالْغَدِيَّةِ.
وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ الْغَدَاءُ مَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَالْعَشَاءُ بَعْدَهُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ.
فَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَأَكَلَ بَعْدَ الزَّوَالِ، أَوْ لَا يَتَعَشَّى فَأَكَلَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، أَوْ لَا يَتَسَحَّرُ فَأَكَلَ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَلَا نِيَّةَ لَمْ يَحْنَثْ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ مُطْلَقُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ هَذَا إنْ كَانَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَصَوَابُهُ بِالْغَيْنِ الْمَكْسُورَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْغِذَاءُ كَكِسَاءٍ مَا بِهِ نَمَاءُ الْجِسْمِ وَقِوَامُهُ وَغَذَاهُ غَذْوًا وَغَذَّاهُ وَاغْتَذَى وَتَغَذَّى، فَإِنَّ لَفْظَهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ يَدُلُّ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كُلَّ وَقْتٍ بِالْمُطَابَقَةِ بِخِلَافِ الْغَدَاءِ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْأَكْلِ قَبْلَ الزَّوَالِ خَاصَّةً وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَمَا دَلَّ بِالْمُطَابَقَةِ أَوْلَى مِمَّا لَا دَلَالَةَ عَلَى شَيْءٍ إلَّا بِطَرِيقِ الْحَمْلِ.
فَظَهَرَ أَنَّ الْمُعْجَمَةَ هِيَ الصَّوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا فِي الْغَدَا يَعْنِي فِي الْمَأْكُولِ، وَالْمَشْرُوبِ (تَنَفُّسٌ) أَيْ أَنْ يَتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ الَّذِي فِيهِ الْغِذَاءُ قَبْلَ إبَانَتِهِ عَنْ فِيهِ بِأَنْ يَخْرُجَ نَفَسُ الشَّارِبِ وَنَحْوُهُ فِي الْإِنَاءِ. وَالنَّفَسُ بِالتَّحْرِيكِ وَاحِدُ الْأَنْفَاسِ، وَتَنَفَّسَ الصُّبْحُ تَبَلَّجَ.
مَطْلَبٌ: فِيمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ النَّفْخِ فِي الْإِنَاءِ وَالتَّنَفُّسِ فِيهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ النَّفْخِ فِي الْإِنَاءِ وَالتَّنَفُّسِ فِيهِ» . رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يَتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ، أَوْ يَنْفُخَ فِيهِ» .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ فَقَالَ رَجُلٌ: الْقَذَاةُ أَرَاهَا فِي الْإِنَاءِ فَقَالَ أَهْرِقْهَا قَالَ: فَإِنِّي لَا أُرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ، قَالَ فَأَبِنْ الْقَدَحَ إذَنْ عَنْ فِيك» .
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الشُّرْبِ مِنْ ثُلْمَةِ الْقَدَحِ وَأَنْ يُنْفَخَ فِي الشَّرَابِ» .
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ «النَّهْيَ عَنْ التَّنَفُّسِ فِي الْإِنَاءِ» مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ.