نَقَصَ أَجْرُهُ عَنْ الْمِائَةِ إلَى السَّبْعِينَ.
وَعَلَّلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَثْرَةَ الْحَسَنَاتِ فِي الْأُولَى بِأَنَّهُ إحْسَانٌ فِي الْقَتْلِ فَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» ، أَوْ لِأَنَّهُ مُبَادَرَةٌ إلَى الْخَيْرِ فَدَخَلَ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148] قَالَ: وَعَلَى كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ فَالْحَيَّةُ، وَالْعَقْرَبُ أَوْلَى بِذَلِكَ لِعَظْمِ مَفْسَدَتِهِمَا.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَتَلَ حَيَّةً فَلَهُ سَبْعُ حَسَنَاتٍ، وَمَنْ قَتَلَ وَزَغًا فَلَهُ حَسَنَةٌ، وَمَنْ تَرَكَ حَيَّةً مَخَافَةَ عَاقِبَتِهَا فَلَيْسَ مِنَّا» .
(فَائِدَةٌ) : ذَكَرَ أَصْحَابُ الْآثَارِ أَنَّ الْوَزَغَ أَصَمُّ. قَالُوا وَالسَّبَبُ فِي صَمَمِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَفْخِهِ النَّارَ فَصُمَّ بِذَلِكَ وَبَرِصَ، وَمِنْ طَبْعِهِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ رَائِحَةُ الزَّعْفَرَانِ وَيَأْلَفُ الْحَيَّاتِ كَمَا تَأْلَفُ الْعَقَارِبُ الْخَنَافِسَ.
وَلَمَّا ذَكَرَ طَرَفًا مِنْ أَنْوَاعِ الْحَشَرَاتِ الَّتِي تُقْتَلُ فِي الْحِلِّ، وَالْحَرَمِ لِلْحَلَالِ، وَالْمُحْرِمِ، وَأَنَّ فِي قَتْلِهَا مَزِيدَ الثَّوَابِ، خَشِيَ أَنْ يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ عُمُومَ ذَلِكَ يَتَنَاوَلُ مَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْتَلَ كَالنَّمْلِ، فَنَصَّ عَلَى كَرَاهَتِهِ بِقَوْلِهِ:
وَيُكْرَهُ قَتْلُ النَّمْلِ إلَّا مَعَ الْأَذَى ... بِهِ وَاكْرَهَنْ بِالنَّارِ إحْرَاقَ مُفْسِدِ
(وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا (قَتْلُ النَّمْلِ) وَاحِدَتُهُ نَمْلَةٌ، وَقَدْ تُضَمُّ الْمِيمُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (إلَّا مَعَ الْأَذَى) الصَّادِرِ (بِهِ) أَيْ بِالنَّمْلِ فَلَا يُكْرَهُ حِينَئِذٍ قَتْلُهُ.
وَفِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: يُكْرَهُ قَتْلُ النَّمْلِ إلَّا مِنْ أَذِيَّةٍ شَدِيدَةٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهُنَّ يَعْنِي حَيْثُ حَصَلَ الْأَذَى. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «نَزَلَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ فَأَمَرَ بِجِهَازِهِ فَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَحْرَقَ قَرْيَةَ النَّمْلِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ أَمِنْ أَجْلِ أَنْ لَدَغَتْك نَمْلَةٌ أَحْرَقْت أُمَّةً مِنْ الْأُمَمِ تُسَبِّحُ فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً» .
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةُ وَالنَّحْلَةُ، وَالْهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ» إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، فَهَذَا نَهْيٌ وَأَقَلُّ أَحْوَالِ النَّهْيِ الْكَرَاهَةُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ أَنَّ قَتْلَ النَّمْلِ وَالنَّحْلِ وَالضُّفْدَعِ لَا يَجُوزُ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي آخِرِ الْفُصُولِ: لَا يَجُوزُ قَتْلُ النَّمْلِ وَلَا تَخْرِيبُ أَجْحُرِهِنَّ بِمَا يَضُرُّهُنَّ انْتَهَى.