أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَجُوزًا أَوْ بَرْزَةً. انْتَهَى.
فَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ فِي التَّشْمِيتِ اعْتِبَارُ كَوْنِهَا عَجُوزًا بَرْزَةً وَفِي السَّلَامِ الِاكْتِفَاءُ بِأَحَدِهِمَا، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ الشَّارِحُ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ. نَعَمْ قَالَ فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَجُوزًا أَيْ غَيْرَ حَسْنَاءَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي حُضُورِهَا الْجَمَاعَةَ. وَفِي قَوْلِهِ أَوْ إلَّا أَنْ تَكُونَ بَرْزَةً أَيْ فَلَا يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهَا وَالْمُرَادُ لَا تُشْتَهَى لِأَمْنِ الْفِتْنَةِ انْتَهَى.
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْغَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَا يُشَمِّتُ الرَّجُلُ الشَّابَّةَ وَلَا تُشَمِّتُهُ. وَفِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لِلرَّجُلِ أَنْ يُشَمِّتَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً، وَقِيلَ عَجُوزًا أَوْ شَابَّةً بَرْزَةً وَلَا تُشَمِّتُهُ هِيَ. وَقِيلَ وَلَا يُشَمِّتُهَا.
قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: رَوَيْنَا عَنْ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ الْعُبَّادِ فَعَطَسَتْ امْرَأَةُ الْإِمَامِ أَحْمَدُ، فَقَالَ لَهَا الْعَابِدُ يَرْحَمُكِ اللَّهُ، فَقَالَ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَابِدٌ جَاهِلٌ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ لَا يُشَمِّتُ الرَّجُلُ امْرَأَةً مُطْلَقًا.
وَظَاهِرُ النَّظْمِ أَنَّ الشَّابَّةَ لَا تُسَلِّمُ عَلَى الرَّجُلِ وَلَا تُشَمِّتُهُ وَإِنْ كَانَ شَيْخًا. وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يُوَافِقُهُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ غَيْرَ أَجْنَبِيَّةٍ لَمْ يُكْرَهْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.
وَيَحْرُمُ رَأْيُ الْمُرْدِ مَعَ شَهْوَةٍ فَقَطْ ... وَقِيلَ وَمَعْ خَوْفٍ وَلِلْكُرْهِ جَوِّدْ
(وَيَحْرُمُ رَأْيُ) أَيْ النَّظَرُ فِي الْأَحْدَاثِ (الْمُرْدُ) جَمْعُ أَمْرَدَ وَهُوَ مَنْ لَمْ تَنْبُتْ لِحْيَتُهُ لِصِغَرِهِ بِأَنْ لَمْ يَأْتِ أَوَانُ نَبَاتِهَا لَا مَنْ فَاتَ أَوَانُ نَبَاتِهَا وَأَيِسَ مِنْهُ فَيُسَمَّى ثُظَا بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ لَا أَمْرَدَ. وَإِنَّمَا تَحْرُمُ رُؤْيَتُهُمْ (مَعَ شَهْوَةٍ) إلَيْهِمْ كَمَا فِي غَيْرِهِمْ مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَدِ وَذِي اللِّحْيَةِ وَالْبَهِيمَةِ وَإِنَّمَا قَصَدَ النَّاظِمُ التَّنْبِيهَ عَلَى عَدَمِ حُرْمَةِ النَّظَرِ إلَى الْأَمْرَدِ بِلَا شَهْوَةٍ كَمَا هُوَ رَأْيُ النَّوَوِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضِ عُلَمَائِنَا. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: مَنْ كَرَّرَ النَّظَرَ إلَى الْأَمْرَدِ الْجَمِيلِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَشْتَهِي فَقَدْ كَذَبَ.
فَلِذَا قَالَ (فَقَطْ) أَيْ لَا بِدُونِ شَهْوَةٍ (وَقِيلَ) يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِمْ بِشَهْوَةٍ (وَمَعَ خَوْفٍ) لِلشَّهْوَةِ وَالْفِتْنَةِ بِهِ لِأَنَّ مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ. وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ. نَعَمْ يُكْرَهُ ذَلِكَ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَلِلْكُرْهِ) أَيْ الْكَرَاهَةِ (جَوِّدْ) أَيْ قُلْ هُوَ