- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَأْمُونٌ وَاَللَّهِ.
وَوَثَبَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي وَعَدُوَّ اللَّهِ أَضْرِبُ عُنُقَهُ، فَقَالَ دَعْهُ عَنْك فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ تَائِبًا نَازِعًا. فَغَضِبَ كَعْبٌ عَلَى هَذَا الْحَيِّ لِمَا صَنَعَ بِهِ صَاحِبُهُمْ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلِذَلِكَ يَقُولُ: إذَا عَرَدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ يَعْرِضُ بِهِمْ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ الْأَنْبَارِيِّ أَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إلَى قَوْلِهِ:
إنَّ الرَّسُولَ لَسَيْفٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ ... مُهَنَّدٌ مِنْ سُيُوفِ الْهِنْدِ مَسْلُولُ
رَمَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَيْهِ بِبُرْدَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ، وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بَذَلَ لَهُ فِيهَا عَشَرَةَ آلَافٍ، فَقَالَ مَا كُنْت لِأُوثِرَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا. فَلَمَّا مَاتَ كَعْبٌ بَعَثَ مُعَاوِيَةُ إلَى وَرَثَتِهِ بِعِشْرِينَ أَلْفًا فَأَخَذَهَا مِنْهُمْ. قَالَ وَهِيَ الْبُرْدَةُ الَّتِي عِنْدَ السَّلَاطِينِ إلَى الْيَوْمِ. انْتَهَى.
قُلْت: قَدْ ذَهَبَتْ الْبُرْدَة الْمَذْكُورَةُ لَمَّا اسْتَوْلَى التَّتَارُ عَلَى بَغْدَادَ وَمُقَدِّمُهُمْ (هُولَاكُو) نَهَارَ الْأَرْبِعَاءِ رَابِعَ عَشَرَ صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ فَقَدْ وَضَعَ هُولَاكُو الْبُرْدَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي طَبَقٍ نُحَاسٍ وَكَذَا الْقَضِيبُ فَأَحْرَقَهُمَا وَذَرَّ رَمَادَهُمَا فِي دِجْلَةَ، وَقَتَلَ الْخَلِيفَةَ وَوَلَدَهُ، وَقُتِلَ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْفُضَلَاءِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَقُتِلَ بَقِيَّةُ أَوْلَادِ الْخَلِيفَةِ، وَأُسِرَتْ بَنَاتُهُ وَمِنْ بَنَاتِ بَيْتِ الْخِلَافَةِ وَالْأَكَابِرِ مَا يُقَارِبُ أَلْفَ بِكْرٍ، وَبَلَغَ الْقَتْلَى أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَثَلَثِمِائَةِ أَلْفِ نَسَمَةً كَمَا هُوَ مَشْرُوحٌ فِي التَّوَارِيخِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.
فَحَصَلَ مِنْ إنْشَادِ قَصِيدَةِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِعْطَائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْبُرْدَةَ عِدَّةُ سُنَنٍ: إبَاحَةُ إنْشَادِ الشِّعْرِ وَاسْتِمَاعِهِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْإِعْطَاءِ عَلَيْهِ، وَسَمَاعِ التَّشْبِيبِ، فَإِنَّهُ فِي قَصِيدَةِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَحْبُوبَتَهُ وَمَا أَصَابَ قَلْبَهُ عِنْدَ ظَعْنِهَا ثُمَّ وَصَفَ مَحَاسِنَهَا وَشَبَّهَهَا بِالظَّبْيِ، ثُمَّ ذَكَرَ ثَغْرَهَا وَرِيقَهَا وَشَبَّهَهُ بِخَمْرٍ مَمْزُوجَةٍ بِالْمَاءِ، ثُمَّ إنَّهُ اسْتَطْرَدَ مِنْ هَذَا إلَى وَصْفِ ذَلِكَ الْمَاءِ ثُمَّ مِنْ هَذَا إلَى وَصْفِ الْأَبْطَحِ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَاءُ، ثُمَّ إنَّهُ رَجَعَ إلَى ذِكْرِ صِفَاتِهَا فَوَصَفَهَا بِالصَّدِّ، وَإِخْلَافِ الْوَعْدِ، وَالتَّلَوُّنِ فِي الْوُدِّ، وَعَدَمِ التَّمَسُّكِ بِالْعَهْدِ، وَضَرَبَ لَهَا عُرْقُوبًا مَثَلًا، ثُمَّ لَامَ نَفْسَهُ عَلَى التَّعَلُّقِ بِمَوَاعِيدِهَا ثُمَّ أَشَارَ إلَى بُعْدِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَأَنَّهُ لَا يُبَلِّغُهُ إلَيْهَا إلَّا نَاقَةٌ مِنْ صِفَتِهَا كَيْتَ