قَوْلَهُ عَلَى مَذْهَبٍ وَيُرْوَى عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمًّا وَلَا أَبًا الْبَيْتَ، قَالَ أَجَلْ لَمْ يُلْفِ عَلَيْهِ أَبَاهُ وَلَا أُمَّهُ. ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ فَلْيَقْتُلْهُ، وَذَلِكَ عِنْدَ انْصِرَافِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الطَّائِفِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ بُجَيْرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ:
مَنْ مُبْلِغٌ كَعْبًا فَهَلْ لَك فِي الَّتِي ... تَلُومُ عَلَيْهَا بَاطِلًا وَهُوَ أَحْزَمُ
لَدَى يَوْمٍ لَا يَنْجُو وَلَيْسَ بِمُفْلِتٍ ... مِنْ النَّاسِ إلَّا طَاهِرُ الْقَلْبِ مُسْلِمُ
فَدِينُ زُهَيْرٍ وَهُوَ لَا شَيْءَ دِينُهُ ... وَدِينُ أَبِي سُلْمَى عَلَيَّ مُحَرَّمُ
وَكَتَبَ بَعْدَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَهْدَرَ دَمَك، وَأَنَّهُ قَتَلَ رِجَالًا بِمَكَّةَ مِمَّنْ كَانُوا يَهْجُونَهُ وَيُؤْذُونَهُ، وَأَنَّ مَنْ بَقِيَ مِنْ شُعَرَاءِ قُرَيْشٍ كَابْنِ الزِّبَعْرَى وَهُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ قَدْ هَرَبُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَمَا أَحْسَبُك نَاجِيًا فَإِنْ كَانَ لَك فِي نَفْسِك حَاجَةٌ فَطِرْ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ مَنْ أَتَاهُ تَائِبًا وَلَا يُطَالِبُهُ بِمَا تَقَدَّمَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَلَمَّا بَلَغَ كَعْبًا الْكِتَابُ أَتَى إلَى مُزَيْنَةَ لِتُجِيرَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَبَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ ضَاقَتْ عَلَيْهِ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَأَشْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَرْجَفَ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْ عَدُوِّهِ فَقَالُوا هُوَ مَقْتُولٌ، فَقَالَ الْقَصِيدَةَ يَمْدَحُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَذْكُرُ خَوْفَهُ وَإِرْجَافَ الْوُشَاةِ بِهِ مِنْ عَدُوِّهِ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَعْرِفَةٌ، فَأَتَى بِهِ إلَى الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُمْ إلَيْهِ فَاسْتَأْمِنْهُ.
وَعَرَفَ كَعْبٌ رَسُولَ اللَّهِ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَ لَهُ النَّاسُ وَكَانَ مَجْلِسُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ، أَصْحَابِهِ مِثْلَ مَوْضِعِ الْمَائِدَةِ مِنْ الْقَوْمِ يَتَحَلَّقُونَ حَوْلَهُ حَلْقَةً ثُمَّ حَلْقَةً، فَيُقْبِلُ عَلَى هَؤُلَاءِ فَيُحَدِّثُهُمْ ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَى هَؤُلَاءِ فَيُحَدِّثُهُمْ، فَقَامَ كَعْبٌ إلَيْهِ حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ قَدْ جَاءَ لِيَسْتَأْمِنَ مِنْك تَائِبًا مُسْلِمًا فَهَلْ أَنْتَ قَابِلٌ مِنْهُ إنْ أَنَا جِئْتُك بِهِ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ الَّذِي يَقُولُ مَا يَقُولُ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْتَنْشِدُهُ الشِّعْرَ، فَأَنْشَدَهُ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: سَقَاك بِهَا الْمَأْمُونُ كَأْسًا رَوِيَّةً، فَقَالَ كَعْبٌ لَمْ أَقُلْ هَكَذَا إنَّمَا قُلْت: سَقَاك أَبُو بَكْرٍ بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ، وَانْهَلَكَ الْمَأْمُونُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ