كَفَى حَزَنًا أَنَّ الْغِنَى مُتَعَذَّرٌ ... عَلَيَّ وَأَنِّي بِالْمَكَارِمِ مُغْرَمُ
وَوَاللَّهِ مَا قَصَّرْت فِي طَلَبِ الْعُلَا ... وَلَكِنَّنِي أَسْعَى إلَيْهَا وَأُحْرَمُ
وَمَا النَّاسُ إلَّا مُخَصَّبٌ بِثَرَائِهِ ... وَآخَرُ ذُو جَدْبٍ مِنْ الْمَالِ مُعْدَمُ
كَمَا أَنَّ هَذَا شَاعِرٌ ذُو خَطَابَةٍ ... وَهَذَا بَلِيدٌ مُقْفَلُ الْفَهْمِ مُفْحَمُ
وَإِنْ جُمِعَا فِي مَحْفِلٍ وَتَنَسَّبَا ... إلَى أَبِ صَدْقٍ فِعْلُهُ يَتَرَنَّمُ
وَقَالَ أَبُو سَهْلٍ يَزْدَجْرِدْ الْكَسْرَوِيُّ:
مَتَى يُدْرِكُ النِّحْرِيرُ بَخْتًا بِعَقْلِهِ ... وَيُحْرِزُ حَظًّا بِالْبَيَانِ وَبِالنُّطْقِ
وَيَحْتَالُ لِلْمَقْدُورِ حَتَّى يُزِيلَهُ ... بِحِيلَةِ ذِي الْبَخْتِ الْمُكَمَّلِ بِالْحَلَقِ
أَبَتْ سُنَّةُ الْأَقْدَارِ غَيْرَ الَّذِي جَرَى ... بِهِ الْحُكْمُ فِي الْأَرْزَاقِ وَالْخُلُقِ وَالْخَلْقِ
فَلَا تَخْدَعْنِي بِالْأَمَانِي فَإِنَّهَا ... تَقُودُ عَزِيزَ الْقَوْمِ حُرًّا إلَى الرِّقِّ
وَكُونِي مَعَ الْحَقِّ الْمُصَرَّحِ وَاصْبِرِي ... كَصَبْرِ الْمُسَجَّى فِي السِّيَاقِ عَلَى الْحَقِّ
فَمَا صَبْرُ الْمَكْرُوبِ وَهُوَ مُخَيَّرُ ... وَلَكِنَّهُ صَبْرٌ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ
وَفِي مَرْثِيَةِ التِّهَامِيِّ لِوَلَدِهِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الَّتِي أَوَّلُهَا:
حُكْمُ الْمَنِيَّةِ فِي الْبَرِّيَّةِ جَارِي ... مَا هَذِهِ الدُّنْيَا بِدَارِ قَرَارِ
بَيْنَا يُرَى الْإِنْسَانُ فِيهَا مُخَبِّرًا ... حَتَّى يُرَى خَبَرًا مِنْ الْأَخْبَارِ
جُبِلَتْ عَلَى كَدَرٍ وَأَنْتَ تُرِيدُهَا ... صَفْوًا مِنْ الْأَقْذَاءِ وَالْأَكْدَارِ
وَمُكَلِّفُ الْأَيَّامِ ضِدَّ طِبَاعِهَا ... مُتَطَلِّبٌ فِي الْمَاءِ جَذْوَةَ نَارِ
إلَى أَنْ يَقُولَ:
لَيْسَ الزَّمَانُ وَإِنْ حَرَصْت مُسَالِمًا ... خُلُقُ الزَّمَانِ عَدَاوَةُ الْأَحْرَارِ
وَأَخْبَرَنَا شَيْخُنَا الشَّهَابُ الْمَنِينِيُّ فِي مَدْرَسَتِهِ الْعَادِلِيَّةِ فِي مَحْرُوسَةِ الشَّامِ سَنَةَ ثَمَانِيَةٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَأَلْفٍ قَالَ: رَأَيْت فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ أَنِّي بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ وَكَأَنِّي أَنْشُدُ بَيْتًا مِنْ الشِّعْرِ وَهُوَ:
قَدْ قَالَ جَدِّي عَنْ فَهْمٍ وَتَجْرِبَةٍ ... مَا آفَةُ الْجَدِّ إلَّا حِرْفَةَ الْأَدَبِ
فَأَخَذْتُهُ وَكَتَبْت فِي الْمَجْلِسِ:
لَمَّا رَقِيت الْعُلَا وَظَفِرْت بِالْإِرْثِ ... مِنْ الْعُلُومِ وَفُقْتَ النَّاسَ بِالْأَدَبِ
نَعَى الزَّمَانُ لِنَفْسِي حَظَّهَا سَفَهًا ... مِنْ الْمَكَارِمِ فِي الدُّنْيَا وَمِنْ صَحْبِ