عَنْ الضَّبِّيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِضِرَارِ بْنِ ضَمُرَةَ: صِفْ لِي عَلِيًّا. فَقَالَ أَوَ تُعْفِنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ بَلْ تَصِفْهُ لِي، قَالَ أَوَ تُعْفِنِي، قَالَ لَا أُعْفِيك. قَالَ أَمَّا إذْ لَا بُدَّ فَإِنَّهُ وَاَللَّهِ كَانَ بَعِيدَ الْمَدَى، شَدِيدَ الْقُوَى، يَقُولُ فَصْلًا، وَيَحْكُمُ عَدْلًا، وَيَتَفَجَّرُ الْعِلْمُ مِنْ جَوَانِبِهِ، وَتَنْطِقُ الْحِكْمَةُ مِنْ نَوَاحِيهِ، يَسْتَوْحِشُ مِنْ الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا، وَيَسْتَأْنِسُ بِاللَّيْلِ وَظُلْمَتِهِ، كَانَ وَاَللَّهِ غَزِيرَ الدَّمْعَةِ، طَوِيلَ الْفِكْرَةِ، يُقَلِّبُ كَفَّهُ، وَيُخَاطِبُ نَفْسَهُ، يُعْجِبُهُ مِنْ اللِّبَاسِ مَا خَشِنَ، وَمِنْ الطَّعَامِ مَا جَشِبَ - أَيْ بِالْجِيمِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى وَزْنِ نَصَرَ وَسَمِعَ أَيْ غَلُظَ أَوْ بِلَا أُدُمٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ انْتَهَى - كَانَ وَاَللَّهِ كَأَحَدِنَا يُجِيبُنَا إذَا سَأَلْنَاهُ، وَيَبْتَدِينَا إذَا أَتَيْنَاهُ، وَيَأْتِينَا إذَا دَعَوْنَاهُ، وَنَحْنُ وَاَللَّهِ مَعَ تَقْرِيبِهِ لَنَا وَقُرْبِهِ مِنَّا لَا نُكَلِّمُهُ هَيْبَةً، وَلَا نَبْتَدِيهِ لِعَظَمَتِهِ، فَإِنْ تَبَسَّمَ فَعَنْ مِثْلِ اللُّؤْلُؤِ الْمَنْظُومِ، يُعَظِّمُ أَهْلَ الدِّينِ، وَيُحِبُّ الْمَسَاكِينَ لَا يَطْمَعُ الْقَوِيُّ فِي بَاطِلِهِ، وَلَا يَيْأَسُ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِهِ، فَأَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَرَأَيْته فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ، وَقَدْ أَرْخَى اللَّيْلُ سُجُوفَهُ، وَغَارَتْ نُجُومُهُ، وَقَدْ مَثُلَ فِي مِحْرَابِهِ قَابِضًا عَلَى لِحْيَتِهِ، يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيمِ يَعْنِي الْقَرِيصِ وَيَبْكِي بُكَاءَ الْحَزِينِ، فَكَأَنِّي أَسْمَعُهُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا دُنْيَا يَا دُنْيَا أَبِي تَعَرَّضْت، أَمْ لِي تَشَوَّقْت، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، غُرِّي غَيْرِي، قَدْ بَتَتُّكِ ثَلَاثًا لَا رَجْعَةَ لِي فِيك، فَعُمُرُك قَصِيرٌ، وَعَيْشُك حَقِيرٌ، وَخَطَرُك كَبِيرٌ، آهِ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ وَبُعْدِ السَّفَرِ، وَوَحْشَةِ الطَّرِيقِ. قَالَ فَذَرِفَتْ دُمُوعُ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَمَا يَمْلِكُهَا وَهُوَ يُنَشِّفُهَا بِكُمِّهِ، وَقَدْ اخْتَنَقَ الْقَوْمُ بِالْبُكَاءِ، ثُمَّ قَالَ مُعَاوِيَةُ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا الْحَسَنِ كَانَ وَاَللَّهِ كَذَلِكَ، فَكَيْفَ حُزْنُك عَلَيْهِ يَا ضِرَارُ؟ قَالَ حُزْنُ مَنْ ذُبِحَ وَلَدُهَا فِي حِجْرهَا فَلَا تَرْقَأُ عَبْرَتُهَا، وَلَا تَسْكُنُ حَسْرَتُهَا.
وَمَرَّ أَنَّ سَيِّدَنَا عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَصَفَ الدُّنْيَا فَقَالَ: دَارٌ مَنْ صَحَّ فِيهَا أَمِنَ، وَمَنْ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ، وَمَنْ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ، فِي حَلَالِهَا الْحِسَابُ، وَفِي حَرَامِهَا النَّارُ وَفِي لَفْظٍ الْعَذَابُ.
قَالَ فِي التَّمْيِيزِ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مَوْقُوفًا وَسَنَدُهُ مُنْقَطِعٌ انْتَهَى. وَقَدْ أَوْرَدَهُ فِي الْإِحْيَاءِ مَرْفُوعًا وَقَالَ مَخْرَجُهُ لَمْ أَجِدْهُ.