قلنا ففائدته تأيد العقل بالنقل. (ويجوز أن لا يعلم) المكلف (الموجود) عند وجود المخصص (بالمخصص) بكسر الصاد. (ولا بأنه مخصص) أي يجوز أن لا يعلم قبل وقت العمل بذات المخصص ولا بوصف أنه مخصص مع علمه بذاته كأن يكون المخصص العقل بأن لا يسبب الله العلم بذلك. (ولو على المنع) أي على القول بامتناع تأخير البيان، وقيل لا يجوز على القول بذلك في المخصص السمعي لما فيه من تأخير إعلامه بالبيان. قلنا المحذور إنما هو تأخير البيان وهو منتف هنا وعدم علم المكلف بالمخصص بأن لم يبحث عنه تقصير منه، أما العقلي فاتفقوا على جواز أن يسمع الله المكلف العام من غير أن يعلمه بذات العقل بأن فقد ما يخصصه وكولا إلى نظره، وقد وقع أن بعض الصحابة لم يسمع المخصص السمعي إلا بعد حين منهم فاطمة بنت النبيّ صلى الله عليه وسلّم طلبت ميراثها مما تركه أبوها لعموم قوله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم} فاحتج عليها أبو بكر رضي الله عنه بما رواه لها من خبر الصحيحين «لا نورث ما
تركناه صدقة» . وبما تقرر علم أن قولي ولو على المنع راجع إلى المسألتين.
لغة الإزالة كنسخت الشمس الظلّ أي أزالته والنقل مع بقاء الأول كنسخت الكتاب أي نقلته واصطلاحا. (رفع) تعلق (حكم شرعي) بفعل (بدليل شرعي) ، والقول بأنه بيان لانتهاء أمد حكم شرعي يرجع إلى ذلك فلا خلاف في المعنى، وإن فرق بينهما بأنه في الأول زال به، وفي الثاني زال عنده وما فرق به من أن الأول يشمل النسخ قبل التمكن دون الثاني مردود كما بينته مع زيادة في الحاشية. قال البرماوي فإن قلت سيأتي أن من أقسام النسخ ما ينسخ لفظه دون حكمه ولا رفع فيه لحكم. قلت رفع اللفظ يتضمن رفع أحكام كثيرة كتعبد بتلاوته وإجراء حكم القرآن عليه من منع الجنب ونحوه من قراءته، ومسّ المحدث وحمله له وغير ذلك، وخرج بالشرعي أي المأخوذ من الشرع رفع البراءة الأصلية أي المأخوذة من العقل، وبدليل شرعي الرفع بالموت والجنون والغفلة والعقل والإجماع، لأنه إنما ينعقد بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلّم كما سيأتي. ومخالفة المجمعين للنص تتضمن ناسخا له وهو مستند إجماعهم، وأما جعل الإمام الرازي رفع غسل الرجلين بالعقل عن قطعهما نسخا فتسمح وتعبيري بذلك يشمل الكتاب والسنة قولاً وفعلاً، وبه صرّح التفتازاني فهو أولى من قول الأصل بخطاب لقصوره على القول، وشمل التعريف الإباحة الأصلية، فإنها عندنا ثابتة بالشرع فرفعها يكون نسخا كما ذكره التفتازاني.
(ويجوز في الأصح نسخ بعض القرآن) تلاوة وحكما أو أحدهما دون الآخر والثلاثة واقعة. روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها «كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات» . فهذا منسوخ التلاوة والحكم. وروى الشافعي وغيره عن عمر رضي الله عنه «لولا أن تقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها الشيخ والشيخة» . أي المحصنان. «إذا زنيا فارجموهما ألبتة فإنا قد قرأناها» . فهذا منسوخ التلاوة دون الحكم لأمره صلى الله عليه وسلّم برجم المحصن رواه الشيخان. وعكسه كثير كقوله تعالى {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية} إلى آخره نسخ قوله {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن} إلى آخره لتأخره في النزول عن الأول وإن تقدمه في التلاوة، وقيل لا يجوز نسخ بعضه كما لا يجوز نسخ كله وقيل لا يجوز نسخ التلاوة دون الحكم وعكسه، لأن الحكم مدلول اللفظ، فإذا قدّر انتفاء أحدهما لزم انتفاء الآخر، قلنا إنما يلزم إذا روعي وصف الدلالة وما نحن فيه لم يراع فيه ذلك.
(و) يجوز في الأصح نسخ (الفعل قبل التمكن) منه بأن لم يدخل وقته أو دخل ولم يمض منه ما يسعه، وقيل لا لعدم استقرار التكليف، قلنا يكفي للنسخ وجود أصل التكليف فينقطع به، وقد وقع ذلك في قصة الذبيح فإن الخليل أمر بذبح ابنه عليهما الصلاة والسلام لقوله تعالى حكاية عنه {يا بنيّ إني أرى في المنام أني أذبحك} إلى آخره ثم نسخ