أم مختلفين لا معا ولا على البدل، والقول بأنها تصلح للتعلق بالضدين على البدل فتتعلق بهذا بدلاً عن تعلقها بالآخر، وبالعكس إنما يستقيم تفريعه على أنها قبل الفعل لا معه الذي الكلام فيه، أما على القول بأن العبد خالق لفعله فقدرته كقدرة الله تعالى، فتوجد قبل الفعل وتصلح للتعلق بالضدين على البدل لا على الجمع لأن القدرة إنما تتعلق بالممكن واجتماع الضدين ممتنع.
(و) الأصح (أن العجز) من العبد (صفة وجودية تقابل القدرة تقابل الضدين) . وقيل هو عدم القدرة عما من شأنه القدرة فالتقابل بينهما تقابل العدم والملكة كما أن الأمر كذلك على القول، بأن العبد خالق لفعله، فعلى الأول في الزمن معنى لا يوجد في الممنوع من الفعل مع اشتراكهما في عدم التمكن من الفعل، وعلى الثاني لا بل الزمن ليس بقادر والممنوع قادر أي من شأنه القدرة بطريق جري العادة. (و) الأصح (أن التفضيل بين التوكل والاكتساب يختلف باختلاف الناس) فمن يكون في توكله لا يتسخط عند ضيق الرزق عليه، ولا يتطلع لسؤال أحد من الخلق، فالتوكل في حقه أفضل لما فيه من الصبر والمجاهدة للنفس، ومن يكون في توكله بخلاف ما ذكر، فالاكتساب في حقه أفضل حذرا من التسخط والتطلع، وقيل الأفضل التوكل، وهو هنا الكف عن الاكتساب والإعراض عن الأسباب اعتمادا للقلب على الله تعالى، وقيل الأفضل الاكتساب وإذا اختلف التفضيل بينهما باختلاف الناس، (فإرادة التجريد) عما يشغل عن الله تعالى. (مع داعية الأسباب) من الله في مريد ذلك (شهوة خفية) من المريد، (وسلوك الأسباب) الشاغلة عن الله (مع داعية التجريد) من الله في سالك ذلك. (انحطاط) له (عن الرتبة العلية) إلى الرتبة الدنية، فالأصلح لمن قدر الله فيه داعية الأسباب سلوكها دون التجريد ولمن قدر الله فيه داعية التجريد سلوكه دون الأسباب. (وقد يأتي الشيطان) للإنسان (باطراح جانب الله تعالى في صورة الأسباب أو بالكسل في صورة التوكل) ، كيدا منه، كأن يقول لسالك التجريد الذي سلوكه له أصلح من تركه له إلى متى تترك الأسباب، ألم تعلم أن تركها يطمع القلوب لما في أيدي الناس، فاسلكها لتسلم من ذلك، وينتظر غيرك منك ما كنت تنتظره من غيرك ويقول لسالك الأسباب الذي سلوكه لها أصلح من تركه لها لو تركتها وسلكت التجريد، فتوكلت على الله لصفا قلبك، وأتاك ما يكفيك من عند الله فاتركها ليحصل لك ذلك. فيؤدّي تركها الذي هو
غير أصلح له إلى الطلب من الخلق والاهتمام بالرزق.
(والموفق يبحث عنهما) أي عن هذين الأمرين اللذين يأتي بهما الشيطان في صورة غيرهما لعله أن يسلم منهما، (ويعلم) مع بحثه عنهما، (أنه لا يكون إلا ما يريد) الله كونه أي وجوده منهما أو من غيرهما.
(وقد تمّ الكتاب) أي لبّ الأصول، (بحمد الله وعونه جعلنا الله به) ، لما أملناه من كثرة الانتفاع به، (مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين} أي أفاضل أصحاب النبيين لمبالغتهم في الصدق والتصديق، (والشهداء) أي القتلى في سبيل الله، (والصالحين) غير من ذكر، (وحسن أولئك رفيقا) أي رفقاء في الجنة بأن نستمتع فيها برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم، وإن كان مقرهم في درجات عالية بالنسبة إلى غيرهم، ومن فضل الله تعالى على غيرهم أنه قد رزق الرضا بحاله، وذهب عنه اعتقاد أنه مفضول انتفاء للحسرة في الجنة التي تختلف المراتب فيها على قدر الأعمال، وعلى قدر فضل الله على من يشاء من عباده، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.