مسألة تأخير البيان عن وقت الفعل غير واقع

أي الإيضاح، فالإتيان بالظاهر من غير سبق إشكال لا يسمى بيانا اصطلاحا. (وإنما يجب) البيان (لمن أريد فهمه) المشكل لحاجته إليه بأن يعمل به أو يفتى به بخلاف غيره. (والأصح أنه) أي البيان قد (يكون بالفعل) كالقول بل أولى، لأنه أدل بيانا لمشاهدته، وإن كان القول أدلّ حكما لما يأتي، وقيل لا لطول زمنه فيتأخر البيان به مع إمكان تعجيله بالقول وذلك ممتنع. قلنا لا نسلم امتناعه والبيان بالقول كقوله تعالى {صفراء فاقع لونها} بيان لقوله بقرة وبالفعل كخبر «صلوا كما رأيتموني أصلي» . ففعله بيان لقوله تعالى {أقيموا الصلاة} وقوله صلوا الخ. ليس بيانا، وإنما دل على أن الفعل بيان ومن الفعل التقرير والإشارة والكتابة، وقد قال صاحب الواضح من الحنفية في الأخيرين لا أعلم خلافا في أن البيان يقع بهما. (و) الأصح أن (المظنون يبين المعلوم) . وقيل لا لأنه دونه فكيف يبينه. قلنا لوضوحه. (و) الأصح أن (المتقدم) وإن جهلنا عينه. (من القول والفعل هو البيان) أي المبين والآخر تأكيد له وإن كان دونه قوّة، وقيل إن كان كذلك فهو البيان، لأن الشيء لا يؤكد بما هو دونه. قلنا هذا في التأكيد بغير المستقل أما بالمستقل فلا، ألا ترى أن الجملة تؤكد بجملة دونها. (هذا إن اتفقا) أي القول والفعل في البيان كأن طاف صلى الله عليه وسلّم بعد نزول آية الحج المشتملة على الطواف طوافا واحدا أو أمر بطواف واحد. (وإلا) بأن زاد الفعل على مقتضى القول، كأن طاف صلى الله عليه وسلّم بعد نزول آية الحج طوافين، وأمر بواحد، أو بأن نقص الفعل عن مقتضى القول كأن طاف واحدا وأمر باثنين. (فالقول) أي فالبيان القول لأنه يدل عليه بنفسه والفعل يدل عليه بواسطة القول (وفعله مندوب أو واجب) في حقه دون أمته وإن زاد على مقتضى قوله (أو تخفيف) في حقه أن نقص عنه سواء أكان القول

متقدما على الفعل أو متأخرا عنه جمعا بين الدليلين، وقيل البيان المتقدم منهما كما لو اتفقا، فإن كان المتقدم القول فحكم الفعل ما مر أو الفعل، فالقول ناسخ للزائد منه وطالب لما زاده عليه. قلت عدم النسخ بما قلناه أولى، والقول أقوى دلالة وذكر التخفيف من زيادتي.

(مسألة تأخير البيان) لمجمل أو ظاهر لم يرد ظاهره بقرينة ما يأتي. (عن وقت الفعل غير واقع وإن جاز) وقوعه عند أئمتنا المجوّزين تكليف ما لا يطاق. (و) تأخيره عن وقت الخطاب (إلى وقته) أي الفعل جائز (واقع في الأصحّ سواء أكان للمبين) ببنائه للمفعول. (ظاهر) وهو غير المجمل كعام يبين تخصيصه ومطلق يبين مقيده ودالّ على حكم يبين نسخه أم لا. وهو المجمل المشترك يبين أحد معنييه مثلاً ومتواطىء يبين أحد ما صدقاته مثلاً، وقيل يمتنع تأخيره مطلقا لإخلاله بفهم المراد عند الخطاب، وقيل يمتنع فيما له ظاهر لإيقاعه المخاطب في فهم غير المراد بخلافه في المجمل، وقيل يمتنع تأخير البيان الإجمالي دون التفصيلي فيما هو ظاهر مثل هذا العام مخصوص، وهذا المطلق مقيد، وهذا الحكم منسوخ لوجود المحذور قبله بخلاف المجمل، فيجوز تأخير بيانه الإجمالي كالتفصيلي، وقيل غير ذلك.

ومما يدل على الوقوع آية {واعلموا أنما غنمتم من شيء} فإنها عامة فيما يغنم مخصوصة عموما بخبر الصحيحين «من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه» . وبلا عموم بخبرهما أنه صلى الله عليه وسلّم قضى بسلب أبي جهل لمعاذ بن عمرو بن الجموح، وآية {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} فإنها مطلقة ثم بين تقييدها بما في أجوبة أسئلتهم. (و) يجوز (للرسول) صلى الله عليه وسلّم (تأخير التبليغ) لما أوحي إليه من قرآن أو غيره. (إلى الوقت) أي وقت العمل ولو على القول بامتناع تأخير البيان عن وقت الخطاب لانتفاء المحذور السابق عنه، ولأن وجوب معرفته إنما هو للعمل ولا حاجة له قبل العمل، وقيل لا يجوز على القول بذلك لقوله تعالى {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك} أي فورا لأن وجوب التبليغ معلوم بالعقل فلا فائدة للأمر به إلى إلا الفور. قلنا لا نسلم أن وجوبه معلوم بالعقل بل بالشرع ولو سلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015