أبي سفيان وأصحابه أم يحسدون الناس، أي رسول الله صلى الله عليه وسلّم لجمعه ما في الناس من الخصال الجميلة، ولا يخفى أن عموم العام غير مدلوله فلا ينافي التعبير في عمومه هنا بالكلي التعبير في مدلوله فيما مرّ بالكلية، مع أن الكلام هنا في عموم العام المراد به الخصوص، وثم في العام مطلقا.

(والأصح أن الأول) أي العام المخصوص (حقيقة) في الباقي بعد التخصيص، لأن تناوله له مع التخصيص كتناوله به بدونه، وذلك التناول حقيقي فكذا هذا، وقيل حقيقة إن كان الباقي غير منحصر لبقاء خاصة العموم وإلا فمجاز، وقيل حقيقة إن خص بما لا يستقل كصفة أو شرط أو استثناء لأن ما لا يستقل جزء من المقيد به فالعموم بالنظر إليه فقط، بخلاف ما إذا خصّ بمستقل كعقل أو سمع، وقيل حقيقة ومجاز باعتبارين باعتبار تناول البعض حقيقة وباعتبار الاقتصار عليه مجاز، وقيل مجاز مطلقا لاستعماله في بعض ما وضع له أوّلاً، وقيل مجاز إن استثنى منه لأنه يتبين بالاستثناء أنه أريد بالمستثنى منه ما عدا المستثنى، بخلاف غير الاستثناء من صفة وغيرها، فإنه يفهم ابتداء أن العموم بالنظر إليه فقط، وقيل مجاز إن خص بغير لفظ كالعقل بخلاف اللفظ أما الثاني فمجاز قطعا كما مرّ. (فهو) أي الأول وهو العام المخصوص على القول بأنه حقيقة (حجة) جزما أخذا من منع الموانع لاستدلال الصحابة به من غير نكير، وعلى القول بأنه مجاز الأصح أنه حجة مطلقا لذلك، وقيل غير حجة مطلقا لأنه لاحتمال أن يكون قد خصّ بغير ما ظهر يشك فيما يراد منه، فلا يتبين إلا بقرينة، وقيل حجة إن خص بمعين كأن يقال اقتلوا المشركين إلا الذمي بخلاف المبهم نحو إلا بعضهم، إذ ما من فرد إلا، ويجوز أن يكون هو المخرج قلنا يعمل به إلى أن يبقى فرد، وقيل حجة إن خص بمتصل كالصفة لما مرّ من أن العموم بالنظر إليه فقط بخلاف المنفصل، فيجوز أن يكون قد خص منه غير ما ظهر فيشك في الباقي، وقيل حجة في الباقي إن أنبأ عن الباقي العموم نحو {فاقتلوا المشركين} فإنه ينبىء عن الحربي لتبادر الذهن إليه كالذمي المخرج بخلاف ما لا ينبىء عنه العموم نحو {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} فإنه لا ينبىء عن السارق بقدر ربع دينار فأكثر من حرز كما لا ينبىء عن السارق لغير ذلك المخرج، فالباقي منه يشك فيه باحتمال اعتبار

قيد آخر، وقيل حجة في أقل الجمع لأنه المتيقن بناء على القول بأنه لا يجوز مطلقا وبذلك علم أن ما ذكره الأصل من هذا الخلاف إنما هو مفرّع على ضعيف، أما الثاني فلا يحتج به، كذا قاله الشيخ أبو حامد. (ويعمل بالعام ولو بعد وفاة النبي) صلى الله عليه وسلّم. (قبل البحث عن المخصص) ، لأن الأصل عدمه ولأن احتماله مرجوح وظاهر العموم راجح والعمل بالراجح واجب، وقيل لا يعمل به بعد وفاته قبل البحث لاحتمال التخصيص، وعليه يكفي في البحث عن ذلك الظن بأن لا مخصص على الأصح. (وهو) أي المخصص للعام. (قسمان) أحدهما (متصل) أي ما لا يستقل بنفسه من اللفظ بأن يقارن العام. (وهو خمسة) أحدها (الاستثناء) بمعنى صيغته (وهو) أي الاستثناء نفسه (إخراج) من متعدّد (بنحو إلا) من أدوات الإخراج وضعا كخلاً وعدا وسوى واقعا ذلك الإخراج مع المخرج منه. (من متكلم واحد في الأصح) ، وقيل لا يشترط وقوعه من واحد فقول القائل إلا زيدا عقب قول غيره جاء الرجال استثناء على الثاني لغو على الأول، ولهذا لو قال لي عليك مائة فقال له إلا درهما لا يكون مقرا بشيء في الأصح، نعم لو قال النبيّ صلى الله عليه وسلّم إلا الذميّ عقب نزول قوله تعالى {فاقتلوا المشركين} كان استثناء قطعا لأنه مبلغ عن الله وإن لم يكن ذلك قرآنا. (ويجب) أي يشترط (اتصاله) أي الاستثناء بمعنى صيغته بالمستثنى منه. (عادة في الأصح) فلا يضر انفصاله بنحو تنفس أو سعال فإن انفصل بغير ذلك كان لغوا، وقيل يجوز انفصاله إلى شهر، وقيل إلى سنة، وقيل أبدا، وقيل غير ذلك ولا بد من نية الاستثناء قبل الفراغ من المستثنى منه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015