والنثر بل والخطب فَكيف يخْطر بعقل عَاقل أَو يتَوَهَّم واهم أَن الْعَرَب مَعَ مَا أَتَوْهُ من الْعقل الغزير وَمن حسن التَّصَرُّف وَالتَّدْبِير تتاركوا مُعَارضَة الْقُرْآن إخساسا بِهِ وإهمالا أَو لغفلتهم أَن ذَلِك مِمَّا يدْفع الضَّرَر عَنْهُم اَوْ لِأَن السَّيْف أنجع واوقع لَهُم مَعَ مَا كَانَ الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ من شدَّة الْبَأْس وَعظم المراس وَالْقُوَّة الباهرة والعزمة الْحَاضِرَة والنصرة الحاصرة وهم يُمكنهُم دفع ذَلِك كُله بفصل أَو سُورَة يَقُولهَا وَاحِد مِنْهُم إِن هَذَا لَهو الخسران الْمُبين
وَلَا ننكر أَن هَذِه المثلات وَوُقُوع هَذِه الِاحْتِمَالَات بِالنّظرِ إِلَى الْعقل وَإِلَى ذواتها ممكنات لَكِنَّهَا كَمَا اوضحناه بِالنّظرِ إِلَى الْعَادة من المستحيلات وَلَا يلْزم أَن مَا كَانَ مُمكنا بِاعْتِبَار ذَاته أَن لَا يلْزم الْمحَال من فرض وجوده أَو عَدمه بِاعْتِبَار غَيره كَمَا حققناه فى غير مَوضِع من هَذَا الْكتاب ثمَّ إِن هَذِه الِاحْتِمَالَات إِن كَانَ الْخصم كتابيا فهى أَيْضا لَازِمَة لَهُ فى إِثْبَات نبوة من انْتَمَى إِلَيْهِ وَالْقَوْل بتصحيح رِسَالَة من اعْتمد عَلَيْهِ وَذَلِكَ كالنصارى وَالْيَهُود وَغَيرهم من أهل الْجُحُود فَمَا هُوَ اعتذاره عَنْهَا هُوَ اعتذارنا عَنْهَا هَهُنَا
وَلَا يلْزم من كَون الْقُرْآن مركبا من الْحُرُوف والأصوات أَن لَا يكون خارقا وَلَا معجزا لما بَيناهُ من اشتماله على النّظم البديع وَالْكَلَام البليغ الذى عجزت عَنهُ بلغاء الْعَرَب وفصحاؤهم وقدرة بعض النَّاس على الْإِتْيَان بِمَا شابه مِنْهُ كلمة أَو كَلِمَات لَا توجب الْقُدْرَة على مَا وَقع بِهِ الإعجاز وَإِلَّا كَانَ لكل من أمكنه الْإِتْيَان