الخيال الثانى
أَنهم قَالُوا لَو جَازَ أَن يكون مرئيا على النَّحْو الذى حققتموه لجَاز أَن يكون مرئيا فِي دَار الدُّنْيَا فِي وقتنا هَذَا إِذْ الْمَوَانِع من الْقرب المفرط والبعد المفرط والحجب منفية فَحَيْثُ لم ينفع انْتِفَاء الْمَوَانِع لم يكن ذَلِك إِلَّا لكَونه غير مرئى فِي نَفسه
قُلْنَا أما الخيال الأول فقد قَالَ بعض الْأَصْحَاب إِنَّه إِنَّمَا لم يجز تعلق باقى الإدراكات بِهِ من جِهَة أَن شَرط حُصُول الْإِدْرَاك بهَا اتِّصَال الإجسام ومحاذاة الأجرام وَلَا كَذَلِك الْبَصَر وَهُوَ مِمَّا لَا يكَاد يُفِيد إِذْ الشغب فِيهِ غير مُنْقَطع واللجاج غير منحسم وَلَعَلَّ الْخصم قد يُقَابل بِمثل ذَلِك فِي الْبَصَر وَدفعه عسير غير يسير
فَالْحق فِي ذَلِك أَن يُقَال إِن كل الإدراكات من جِهَة كَونهَا كمالات يحصل بهَا مزِيد كشف الْمدْرك بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا تعلق بِهِ من الْعلم النفسانى وَأَنَّهَا مخلوقة لله تعإلى فِي محَال الْإِدْرَاك من غير تَأْثِير فِي الْمدْرك والمدرك والاتصال والانفصال فَغير مُخْتَلفَة وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِيهَا من جِهَات أخر وَذَلِكَ أَن مَا يخلقه الله من زِيَادَة الْكَشْف إِن كَانَ من ذَات الشئ ووجوده بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يحصل من تعلق علم النَّفس بِهِ شرحا سمى ذَلِك نظرا وان تعلق الْعلم بِكَوْنِهِ كلَاما كَانَ ذَلِك من الْكَلَام النفسانى اَوْ اللسانى مِمَّا يحصل بِخلق الله تَعَالَى من زِيَادَة الْكَشْف بِكَوْنِهِ كلَاما لَا من جِهَة كَونه مَوْجُودا سمى ذَلِك سَمَاعا وَبِهَذَا الْمَعْنى سمى مُوسَى سَامِعًا لكَلَام الله تَعَالَى وَمَا يحصل بِخلق الله