الدولة، وذخيرة الملك، وأمثال هذه، وكان العبيديون أيضاً يخصون بها أمراء صنهاجة، فلما استبدوا على الخلافة قنعوا بهذه الألقاب، وتجافوا عن ألقاب الخلافة أدباً معها، وعدولاً عن سماتها المختصة بها، شأن المتغلبين المستبدين، ونزع المتأخرون أعاجم المشرق- حين قوي استبدادهم على الملك وعلا كعبهم في الدولة والسلطان وتلاشت عصبية الخلافة واضمحلت بالجملة- إلى انتحال الألقاب الخاصة بالملك، مثل الناصر، والمنصور وزيادة على ألقاب يخصون بها قبل هذا الانتحاب مشعرة بالخروج عن ربقة الولاء والاصطناع بما أضافوها إلى الدين فقط، فيقولون: صلاح الدين، أسد الدين، تور الدين، قال: وأما ملوك الطوائف بالأندلس فاقتسموا ألقاب الخلافة وتوزعوها لقوة استبدادهم عليها بما كانوا من قبيلها وعصبيتها فتلقبوا بالناصر، والمنصور، والمعتمد، والمظفر، وأمثالها، كما قال ابن أبي شرف ينعي عليهم:

مما يُزَهِّدُني في أرض أندلس ... أسماءُ معتمدٍ فيها ومعتضدِ

ألقابُ مملكة في غير موضعها ... كالهِرِّ يحكي انتفاخاً صَوْرَةََ الأسد1

ثم أطال في الكلام ابن خلدون.

فالشيخ النبهاني قصد هذا المعنى وجعل إمامه- بإطلاق هذا اللقب عليه اصطلاحاً- كالهر يحكي انتفاخاً صورة الأسد، فلله دره ما أدق فكره، وأبعد نظره؟! ونقول له: إذا كان الأمر كما ذكر فنحن لا نلقب ابن تيمية بشيخ الإسلام اصطلاحاً فارغاً عن معناه، بل نطلقه عليه لغة وشرعاً لا اصطلاحاً، وهو بحمد الله في غنى عن التعبيرات الاصطلاحية الفارغة عن المعاني، على أن آثار ابن تيمية وفضائله التي أقر بها المخالف والموافق تغنيه عن إطلاق مثل هذه الألفاظ، وفي كتاب "الرد الوافر" الذي ألفه العلامة الحافظ الإمام ناصر الدين الشافعي في بيان من أثنى على الشيخ ابن تيمية من أكابر الأئمة وأطلق عليه شيخ الإسلام ما يرغم أنف هذا المخذول.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015