وطوائف من أهل الكلام والفلسفة، وبهذا يحصل الجواب عما أوردته المعتزلة ونحوهم من الجهمية نقضاً، فإن أهل الإثبات من أهل الحديث وعامة المتكلمة الصفاتية من الكلابية والأشعرية والكرامية وغيرهم استدلوا على أن كلام الله غير مخلوق، بأن الصفة إذا قامت بمحل عاد حكمها على ذلك المحل لا على غيره، واتصف به ذلك المحل لا غيره، فإذا خلق الله لمحل علماً أو قدرة أو حركة أو نحو ذلك كان هو العالم به القادر به المتحرك به، ولم يجز أن يقال إن الرب المتحرك بتلك الحركة، ولا هو العالم القادر بالعلم والقدرة المخلوقين بل بما قام به من العلم والقدرة، قالوا فلو كان قد خلق كلاماً في غيره كالشجرة التي نادى منها موسى لكانت الشجرة هي المتصفة بذلك الكلام، فتكون الشجرة هي القائلة لموسى {إنني أنا الله} ولكان ما يخلقه الله من إنطاق الجلود والأيدي وتسبيح الحصى وتأويب الجبال وغير ذلك كلاماً له كالقرآن والتوراة والإنجيل، بل كان كلام في الوجود كلامه لأنه خالق كل شيء، وهذا قد التزمه مثل صاحب الفصوص وأمثاله من هؤلاء الجهمية الحلولية والاتحادية، فأوردت المعتزلة صفات الأفعال كالعدل والإحسان، كأنه يقال إنه عادل محسن بعدل خلقه في غيره وإحسان خلقه في غيره، فأشكل ذلك على من يقول ليس لله فعل قائم به، بل فعله هو المفعول المنفصل عنه وليس خلقه إلا مخلوقه.

وأما من طرد القاعدة وقال أيضاً إن الأفعال قائمة به ولكن المفعولات المخلوقة هي المنفصلة عنه وفرق بين الخلق والمخلوق فاطرد دليله واستقام.

والمقصود هنا؛ أن استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم بعفوه ومعافاته من عقوبته- مع أنه لا يستعاذ بمخلوق- كسؤال الله بإجابته وإثابته وإن كان لا يسأل بمخلوق، ومن قال من العلماء لا يسأل إلا به لا ينافي السؤال بصفاته، كما أن الحلف لا يشرع إلا به، كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت" وفي لفظ للترمذي: "من حلف بغير الله فقد أشرك" قال الترمذي حديث حسن.

ومع هذا فالحلف بعزة الله ولعمر الله ونحو ذلك مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015