فسؤال الله والتوسل إليه بامتثال أمره واجتناب نهيه وفعل ما يحبه من العبودية والطاعة هو من جنس فعل ذلك رجاء لرحمة الله وخوفاً من عذابه، وسؤال الله بأسمائه وصفاته- كقوله: "أسألك بأن لك الحمد، أنت الله المنان بديع السموات والأرض، وأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد" ونحو ذلك- يكون من باب التسبب، فإن كونه المحمود المنان يقتضي منته على عباده وإحسانه الذي يحمد عليه، وكونه الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد يقتضي توحده في صمديته، فيكون هو السيد المقصود الذي يصمد الناس إليه في حوائجهم المستغني عما سواه، وكل ما سواه مفتقرون إليه لا غنى بهم عنه، وهذا سبب لقضاء الحاجات والمطلوبات، وقد يتضمن معنى ذلك الإقسام عليه بأسمائه وصفاته.

وأما قوله في حديث أبي سعيد: "أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا" فهذا الحديث رواه عطية العوفي وفيه ضعف، لكن بتقدير ثبوته هو من هذا الباب؛ فإن حق السائلين عليه سبحانه أن يجيبهم، وحق المطيعين له أن يثيبهم، فالسؤال له والطاعة سبب لحصول إجابته وإثابته، فهو من التوسل به والتوجه به والتسبب به، ولو قدر أنه قسم لكان قسماً بما هو من صفاته، فإن إجابته وإثابته من أفعاله وأقواله، فصار هذا كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك". والاستعاذة لا تصح بمخلوق كما نص عليه الإمام أحمد وغيره من الأئمة، وذلك مما استدلوا به على أن كلام الله عير مخلوق، ولأنه قد ثبت في الصحيح وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق". قالوا: والاستعاذة لا تكون بمخلوق فأورد بعض الناس لفظ المعافاة، فقال جمهور أهل السنة المعافاة من الأفعال.

وجمهور المسلمين من أهل السنة وغيرهم يقولون: إن أفعال الله قائمة به، وإن الخلق ليس هو المخلوق، وهذا قول جمهور أصحاب الشافعي وأحمد ومالك، وهو قول أصحاب أبي حنيفة، وقول عامة أهل الحديث والصوفية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015