{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وقد فسر هذا الحديث مع القرآن بكلا النوعين، قيل ادعوني أي اعبدوني وأطيعوا أمري أستجب دعاءكم، وقيل سلوني أعطكم، وكلا النوعين حق.
وفي الصحيحين في قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النزول: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى يطلع الفجر". فذكر أولاً إجابة الدعاء، ثم ذكر إعطاء السائل، ثم ذكر إعطاء المغفرة للمستغفر، فهذا جلب المنفعة، وهذا دفع المضرة، وكلاهما مقصود الداعي المجاب، وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} 1.
وقد روي أن بعض الصحابة قال: يا رسول الله ربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
فأخبر سبحانه وتعالى أنه قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، ثم أمرهم بالاستجابة له والإيمان به، كما قال بعضهم فليستجيبوا لي إذا دعوتهم، وليؤمنوا بي أني أجيب دعوتهم.
قالوا: وبهذين الشيئين تحصل إجابة الدعوة بكمال الطاعة لأولهيته، وبصحة الإيمان بربوبيته، فمن استجاب لربه بامتثال أمره ونهيه حصل مقصوده من الدعاء وأجيب دعاؤه، كما قال تعالى: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} 2 أي يستجيب لهم، يقال استجابه واستجاب له، فمن دعاه موقناً أنه يجيب دعوة الداعي إذا دعاه أجابه، وقد يكون مشركاً وفاسقاً، فإنه سبحانه هو القائل: {وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ