وهو لم يسأله باتباعه لذلك الشخص ومحبته وطاعته بل بنفس ذاته وما جعله له ربه من الكرامة لم يكن قد سأله بسبب يوجب المطلوب.
وحينئذ فيقال: أما التوسل والتوجه إلى الله وسؤاله بالأعمال الصالحة التي أمر بها كدعاء الثلاثة الذين آووا إلى الغار بأعمالهم الصالحة، وبدعاء الأنبياء والصالحين وشفاعتهم؛ فهذا مما لا نزاع فيه، بل هو من الوسيلة التي أمر الله بها في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} 1 وقوله سبحانه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} 2. فإن ابتغاء الوسيلة إليه هو طلب ما يتوسل أي يتوصل ويتقرب به إليه سبحانه وتعالى سواء كان على وجه العبادة والطاعة وامتثال الأمر أو كان على وجه السؤال له والاستعاذة به رغبة إليه في جلب المنافع ودفع المضار. ولفظ الدعاء في القرآن يتناول هذا وهذا، الدعاء بمعنى العبادة، والدعاء بمعنى المسألة، وإن كان كل منهما يستلزم الآخر، لكن العبد قد تنزل به النازلة فيكون مقصوده طلب حاجاته وتفريج كرباته، فيسعى في ذلك بالسؤال والتضرع، وإن كان ذلك من العبادة والطاعة، ثم يكون من أول الأمر قصده حصول ذلك المطلوب من الرزق والنصر والعافية مطلقاً، ثم الدعاء والتضرع يفتح له من أبواب الإيمان بالله عز وجل ومعرفته ومحبته والتنعم بذكره ودعائه ما يكون هو أحب إليه وأعظم قدرا عنده من تلك الحاجة التي أهمته، وهذا من رحمة الله بعباده يسوقهم بالحاجات الدنيوية إلى المقاصد العلية الدينية، وقد يفعل العبد ابتداء ما أمر به لأجل العبادة لله والطاعة له ولما عنده من محبته والإنابة إليه وخشيته وامتثال أمره، وإن كان ذلك يتضمن حصول الرزق والنصر والعافية، وقد قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} 3 وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أهل السنن أبو داود وغيره: "الدعاء هو العبادة" ثم قرأ قوله تعالى: