{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} وبقوله في الحديث الصحيح: "إني حرمت الظلم على نفسي" إلخ.. والكلام على هذا مبسوط في موضع آخر.
وأما الإيجاب عليه تعالى والتحريم بالقياس على خلقه؛ فهذا قول مبتدع، مخالف لصحيح المنقول، وصريح المعقول، وأهل السنة متفقون على أنه سبحانه وتعالى خالق كل شيء وربه ومليكه، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأن العباد لا يوجبون عليه شيئاً، ولهذا كان من قال من أهل السنة بالوجوب قال إنه كتب على نفسه الرحمة، وحرم الظلم على نفسه، لا أن العبد نفسه مستحق على الله شيئاً، كما يكون للمخلوق على المخلوق، فإن الله هو المنعم على العباد بكل خير، فهو الخالق لهم، وهو المرسل إليهم الرسل، وهو الميسر لهم الإيمان والعمل الصالح، ومن توهم من القدرية والمعتزلة ونحوهم أنهم يستحقون عليه من جنس ما يستحق الأجير على المستأجر فهو جاهل في ذلك، وإذا كان كذلك لم تكن الوسيلة إليه إلا بما من به من فضله وإحسانه، والحق الذي لعباده هو من فضله وإحسانه ليس من باب المعاوضة ولا من باب ما أوجبه غيره عليه، فإنه سبحانه يتعالى عن ذلك.
وإذا سئل بما جعله هو سبباً للمطلوب من الأعمال الصالحة التي وعد أصحابها بكرامته وأنه يجعل لهم مخرجاً ويرزقهم من حيث لا يحتسبون فيستجيب دعاءهم، ومن أدعية عباده الصالحين ومن شفاعة ذوي الوجاهة عنده- فهذا سؤال وتسبب بما جعله هو سبباً.
وأما إذا سئل بشيء ليس هو سبباً للمطلوب؛ فإما أن يكون إقساماً عليه به فلا يقسم على الله بمخلوق، وإما أن يكون سؤالاً بما لا يقتضي المطلوب فيكون عديم الفائدة.
فالأنبياء والمؤمنون لهم حق على الله بوعده الصادق لهم وبكلماته التامة ورحمته لهم أن ينعمهم ولا يعذبهم، وهم وجهاء عنده يقبل من شفاعتهم ودعائهم ما لا يقبله من دعاء غيرهم، فإذا قال الداعي أسألك بحق فلان وفلان لم يدع ربه،