من هذا شيء كثير، قد أورد منه النبهاني شيئاً كثيراً جعله من قواعد مذهبه، وأدلة شركه، وقد ذكرنا سابقاً أن أسباب المقاصد قد تكون محرمة كالسحر ونحوه، وإنما يثبت استحباب الأفعال واتخاذها ديناً بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه السابقون الأولون، وما سوى هذه من الأمور المحدثة فلا يستحب وإن اشتملت أحياناً على فوائد، لأنا نعلم أن مفاسدها راجحة على فوائدها.
الوجه الرابع: أن الشرك وقع كثيراً من دعاء غير الله كالشرك بأهل القبور، من دعائهم والتضرع إليهم والرغبة إليهم ونحو ذلك، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة التي تتضمن الدعاء لله وحده خالصاً عند القبور لئلا يفضي ذلك إلى نوع من الشرك بربهم، فكيف إذا وجد ما هو نوع الشرك من الرغبة إليهم؟ سواء طلب منهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات أو طلب منهم أن يطلبوا ذلك من الله، بل لو أقسم على الله ببعض خلقه من الأنبياء والملائكة وغيرهم لنهي عن ذلك وإن لم يكن عند القبر، كما لا يقسم بمخلوق مطلقاً، وهذا القسم منهي عنه غير منعقد باتفاق الأئمة، وهل هو نهي تحريم أو تنزيه؟ على قولين؛ أصحهما أنه نهي تحريم، ولم يتنازع العلماء إلا في الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، فإن فيه قولين في مذهب الإمام أحمد، وبعض أصحابه- كابن عقيل- طرد الخلاف في الحلف بسائر الأنبياء، لكن القول الذي عليه جمهور الأئمة كمالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم أنه لا تنعقد اليمين بمخلوق البتة، ولا يقسم بمخلوق البتة، وهذا هو الصواب، والإقسام على الله بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم الذي اشتمل عليه كثير من الشعر الذي أورده النبهاني في هذا الباب ينبني على هذا الأصل، ففيه هذا النزاع، وقد نقل عن أحمد في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في منسك المروذي ما يناسب قوله بانعقاد اليمين به، لكن الصحيح أنه لا تنعقد اليمين به فكذلك هذا، وأما غيره فما علمت بين الأمة فيه نزاعاً، بل قد صرح العلماء بالنهي عن ذلك، واتفقوا على أن الله يسأل ويقسم عليه بأسمائه وصفاته كما يقسم على غيره بذلك، كالأدعية المعروفة في السنن: "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد أنت الله المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال