الوجه الأول: أن ما يستدل به على مثل هذه المطالب إنما هو الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وقد سبق أن كل ذلك يدل دلالة صريحة أن ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى لا يطلب من سواه سبحانه، بل إن من طلب ذلك من غيره فقد ابتغى غير سبيل المؤمنين، وذكرنا حكم من كان كذلك، وأن كل أحد ما سوى الرسول يؤخذ منه ما يوافق الكتاب والسنة، وغير الموافق ينبذ به بوجه قائله كائناً من كان، خصوصاً إذا كان جاهلاً ككثير ممن أورد شعره النبهاني، فإنهم لا يعدون من العير ولا من النفير، ومنهم هو، فإن النبهاني أورد في كثير من الأحرف أبياتاً من شعره الركيك، وجعله حجة على أهل الحق ودليلاً على مقصده، وهكذا أورد كثيراً من شعر أمثاله من الجهلة الغلاة، فذلك بحمد الله لا يدفع الحق ولا يعارضه.

الوجه الثاني: أنه قد ذكرنا سابقاً كثيراً من كلام العارفين من النظم والنثر ما يقتضي أن يوحد الله بالسؤال، وأن يفرد سبحانه بالاستعانة والالتجاء إليه، وهو الموافق لما ورد من ذلك في الكتاب والسنة، وما كان عليه الصحابة والأئمة الهداة، وذكرنا أن في كتاب المستغيثين بالله عند الملمات والمهمات البحر الذي ليس له ساحل، فمن يلتفت بعد هذا لمثل ما ذكره هذا الزائغ؟ {وإن جندنا لهم الغالبون} ، والحق يعلو على الباطل، وليس بعد الحق إلا الضلال البعيد.

الوجه الثالث: أن قول النبهاني في شأن ما استشهد به من الشعر والأبيات من قرأها أو بعضها بنية قضاء حاجاته يرجى له حصول المقصود ببركة الاستغاثة ... إلخ، دعوى كاذبة، ليس عليها دليل سوها حكايات يرويها الغلاة وهم بيت الكذب، وإن سلم صحتها فليس فيها دليل على ما ادعاه النبهاني، فإن إجابة الدعاء عند القبور للسائلين لا دليل فيه على أنه دين الله، وأنه يحبه ويرضاه، وأكثر ما يدعو هؤلاء الغلاة إلى دعاء القبور والصالحين ما يحكونه من أن فلاناً دعا فاستجيب له واستغاث فأغيث، وفلان رد عليه بصره، وعند السدنة وعباد القبور

طور بواسطة نورين ميديا © 2015