لكي يستمر المرء في حالة من التذكر الدائم للأخطار التي تواجهه وتواجه أمته لابد من وجود وسائل تغذي مشاعره، وتشعره دوما بأن الخطر قريب فيزداد قلقه ومن ثم عزمه وتشميره.
ومن أهم هذه الوسائل:
كثرة تلاوة القرآن بترتيل، وتفهم، وتدبر
فمن أعظم وظائف القرآن في حياة المسلم أنه كتاب هداية، وتذكرة، وتبصرة، وهو أيضًا يلهب المشاعر، وينشئ الإيمان، ويوقد العزائم، ويولد الطاقة الدافعة للعمل.
والقرآن بشير ونذير لكل مسلم يدفعه دومًا لتنفيذ أوامر الله عز وجل في نفسه وفي مجتمعه، بل ويستحثه للدعوة إلى الله وتبليغ رسالته للعالمين، ويذكره بحقيقة الدنيا، وأن الموت يأتي فجأة، وأن كل فرد سيقف بمفرده أمام ربه ... كل ذلك في خطاب يمزج بين القناعة العقلية والانفعال القلبي الوجداني ليتولد الإيمان والقوة الدافعة للعمل، لذلك نجد أن الله عز وجل قد وصفه بأنه (روح) {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا} [الشوري: 52].
ولقد كان القرآن الكريم أكبر محرك لعزائم الصحابة- رضوان الله عليهم- فهذا أبو طلحة يقرأ سورة (براءة) فيأتي على هذه الآية {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ} [التوبة: 41]. فقال: أرى ربنا استنفرنا شيوخا وشبابا، جهزوني يا بني، فقال بنوه: يرحمك الله، قد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات، ومع أبي بكر حتى مات، ومع عمر حتى مات، فنحن نغزو عنك، فأبى فركب البحر فمات، فلم يجدوا له جزيرة يدفن فيها إلا بعد تسعة أيام، فلم يتغير فدفنوه فيها (?).
وفي القادسية وقبل بدء المعركة، صلى سعد بن أبي وقاص بالناس الظهر، ثم خطب الناس ووعظهم وحثهم وتلا قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105]، ثم قرأ القرَّاء آيات الجهاد وسوره.
وبعد انتهاء المعركة، وانتصار المسلمين كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب كتابا يخبره فيه بالفتح، فكان مما فيه: «وأصيب من المسلمين سعد بن عبيد القاري، وفلان وفلان، ورجال من المسلمين لا يعلمهم إلا الله، فإنه بهم عالم .. كانوا يدوون بالقرآن إذا جن عليهم الليل كدوى النحل، وهم آساد في النهار لا تشبههم الأسود» (?).
والآثار الواردة عن تأثير القرآن في تحريك العزائم، وشحذ الهمم، وبث الروح أكثر من أن تُحصى في هذا المكان، ولكن يبقى التذكير بأن هذا الأثر لن يحدث إلا إذا أكثرنا من تلاوة القرآن، وفتحنا له القلوب، وأعملنا عقولنا في فهمه -ولو بصورة إجمالية- مع الترتيل والصوت الحزين ليحدث التعانق بين الفكر والعاطفة فينتج الأثر المطلوب (?).
وغني عن البيان القول بأن الحديث عن القرآن الكريم يشمل السنة النبوية بالتبعية، فالسنة شارحة للقرآن، مبينة لما أُجمل فيه، وهي الوحي الثاني .. قال صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم شيئين، لن تضلوا بعدهما؛ كتاب الله، وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علىَّ الحوض» (?).
ومن وسائل تغذية الشعور بالخطر التعرف على أحوال المسلمين في كل مكان وما يتعرضون له من مآس، مع استشعار المسئولية نحوهم، ولقد كان هذا هو دأب المصلحين. يقول الإمام حسن البنا: ليس يعلم أحد إلا الله كم من الليالي كنا نقضيها نستعرض حال الأمة وما وصلت إليه في مختلف مظاهر حياتها، ونحلل العلل والأدواء، ونفكر في العلاج وحسم الداء، ويفيض بنا التأثر لما وصلنا إليه إلى حد البكاء (?).