والجدير بالذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيقوم بالشهادة على أمته: من منهم سار على نهجه واتبع طريقه؟ ومن منهم خالفه وخان أمانته؟! {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا} [النساء: 41].
فهل أعددنا جوابًا لسؤال الشهادة على الناس يوم القيامة؟!
وماذا نتوقع عن شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا؟ هل ستكون لصالحنا أم ضدنا؟!
ولقد جمع هذه المعاني قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: 78].
ولنعلم جميعًا بأنه ليست كل أعذار القعود ستُقبل .. تأمل قوله جل ثناؤه: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97].
ويؤكد سيد قطب- رحمه الله- على هذا المعنى عند تفسير قوله تعالى: "إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا" [النساء: 58]، فيقول:
ومن هذه الأمانات: أمانة الشهادة لهذا الدين .. الشهادة له في النفس أولا بمجاهدة النفس حتى تكون ترجمة له .. ترجمة حية في شعورها وسلوكها، حتى يرى الناس صورة الإيمان وأحسنه وأزكاه؛ وهو يصوغ نفوس أصحابه على هذا المثال من الخلق والكمال؛ فتكون هذه شهادة لهذا الدين في النفس يتأثر بها الآخرون.
والشهادة له بدعوة الناس إليه، وبيان فضله ومزيته- بعد تمثل هذا الفضل والمزية في نفس الداعية- فما يكفي أن يؤدي المؤمن الشهادة للإيمان في ذات نفسه، إذا هو لم يدع إليها الناس كذلك، وما يكون قد أدى أمانة الدعوة والتبليغ والبيان، وهي إحدى الأمانات.
ثم الشهادة لهذا الدين بمحاولة إقراره في الأرض؛ منهجًا للجماعة المؤمنة، ومنهجا للبشرية جمعاء .. المحاولة بكل ما يملك الفرد من وسيلة، وبكل ما تملك الجماعة من وسيلة. فإقرار هذا المنهج في حياة البشر هي كبرى الأمانات؛ بعد الإيمان الذاتي، ولا يعفى من هذه الأمانة الأخيرة فرد ولا جماعة .. ومن ثم فالجهاد ماض إلى يوم القيامة على هذا الأساس .. أداء لإحدى الأمانات (?) ..
* * *