فرائض وسن سنناً، من أخذ بها لحق ومن تركها مُحِق (?). أراد عمر أن يقضي على العادات الموروثة التي أشبه بها الولاة آنذاك الأكاسرة والقياصرة، وعزم صارم على العودة بالأمة إلى منهج الخلفاء الراشدين، وعمر هنا يحجِّم دافعين قويين يدفعانه إلى مجاراة عشيرته في مظاهرهم .. أولهما طموح النفس نحو الظهور وفرض السلطة والهيبة في قلوب الناس، وثانيهما رغبة عشيرته الملحة في الإبقاء على هذه المظاهر، وتشنيعهم عليه في مخالفة ما كان عليه أسلافه ولكنه تغلب على هذين الدافعين بحزم وإيمان قوي، وكان الدافع الذي يدفعه إلى التواضع ورفض المظاهر الدنيوية هو خوفه من الله تعالى ورغبته فيما عنده، وطموح فكره نحو الآخرة وتجاوز المستقبل الدنيوي، وكان هذا الدافع أقوى بكثير من الجواذب الأرضية، فنجح في إلجام نفسه عن هواها وإسكات أصحاب المظاهر الخادعة، وتصحيح مفاهيم المجتمع فيما يجب أن تكون عليه الولاة والعلاقة بينهم وبين الرعية. وفي قوله: إن الله فرض فرائض. بيان لأسباب السعادة والشقاوة الحقيقية في الدنيا والآخرة، فمن طبقها لحق بركب المتقين في الدنيا، وأكرم به من رفقة صالحة، وسيق يوم القيامة إلى رضوان الله تعالى والجنة وأكرم به من مآل وعاقبة (?).
6 ـ تقديره أهل الفضل: ذكر الحافظ ابن كثير أن ولد قتادة بن النعمان وفد على عمر بن عبد العزيز فقال له: من أنت؟ فقال مرتجلاً:
أنا ابن الذي سالت على الخدِّ عينه
فرُدَّت بكفِّ المصطفى أحسن الرَّدِّ
فعادت كما كانت لأول أمرها
فيا حُسْنَها عيناً ويا حُسْنَ ما رَدِّ
فقال عمر بن عبد العزيز عند ذلك:
تلك المكارم لا قعبان من لبن
شيباً بماء فعادا بعد أبوالا
ثم وصله وأحسن جائزته رضي الله عنه (?). ففي هذا الخبر موقف لأمير عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى في إكرام ولد قتادة بن النعمان لما وفد عليه حينما