انخلع منه وأنا أحذر كل من سمع كتابي هذا ومن بلغه أن يتخذ غير الإسلام حصناً أو دون الله ودون رسوله ودون المؤمنين وليجة، تحذيراً بعد تحذير، وأذكرهم تذكيراً بعد تذكير وأشهد عليهم الذي آخذ بناصية كل دابَّة، والذي هو أقرب إلى كل عبد من حبل الوريد، وإني لم آلُكم بالذي كتبت به إليكم نصحاً مع إني لو أعلم أن أحداً من الناس يحرّك شيئاً ليُخذ له به أو ليدفع عنه ـ أحرص ـ والله المستعان ـ على مذلته من كان: رجلاً أو عشيرة أو قبيلة أو أكثر من ذلك، فادع إلى نصيحتي وما تقدمت إليكم به، فإنه هو الرشد ليس له خفاء ثم ليكن أهل البر وأهل الإيمان عوناً بألسنتهم، وإن كثيراً من الناس لا يعلمون: نسأل الله أن يخلف فيما بيننا بخير خلافة في ديننا وأُلفتنا وذات بيننا والسلام (?).
في هذا الكتاب يعالج أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز انحرافاً خطيراً طرأ على المجتمع الإسلامي آنذاك، وهو أن طائفة من المسلمين الذين لم يتمكن الإيمان من قلوبهم، ولم تعمر أفكارهم بالعلم الشرعي، فقد اتخذوا لأنفسهم علاقات من روابط الجاهلية التي تقوم على القبائل والعشائر، فيعطي الواحد منهم ولاءه لقبيلته سواء بالحق أو بالباطل وسواء بالعدل أو بالظلم، ويجعل من قبيلته قضية يهتم لها ويدافع عنها ويدعو لها، حتى أصبحوا بها إخوة في الله متحابين بعد أن كانوا أعداء متحاربين، وسادوا بجماعتهم العالم وقد استفحلت هذه القضية حتى أصبح بعض المجاهدين يتحاربون بينهم بدعوى قبلِّية، مما سبب تأخراً في تقدم الجهاد، وجرأ أصحاب البلاد المفتوحة على الانتقاض على المسلمين مرة بعد مرة، ووصلت الحال في بعض البلاد إلى أنه كلما تولى رجل له قبيلة في تلك البلاد قرب أفراد قبيلته وقواهم وتقوى بهم، فتحدث الفتنة وتثور القبائل الأخرى، وما ذاك إلا بسبب طرح رابطة الإسلام التي هي نعمة كبرى على المسلمين، وإتخاذ الروابط الجاهلية بديلاً عنها (?).
5 ـ رفضه للقيام بين يديه: لما ولي عمر بن عبد العزيز قام الناس بين يديه، فقال: يا معشر المسلمين إن تقوموا نقم وإن تقعدوا نقعد، فإنما يقوم الناس لرب العالمين، وإن الله فرض