وتتشربه قلوبهم لأن الأعراف الجاهلية تميل إلى تلبية أهواء النفوس وإن كانت منحرفة جائرة، فيصعب بعد ذلك على المصلحين أن يخلّصوا العرف الاجتماعي الإسلامي من تلك الأخلاط المتسرّبة المتراكمة على مر الزمن، لأن كل انحراف له أنصاره ومؤيدوه، وليس كل أفراد المجتمع يفهمون الأمور على حقيقتها، وحينما يقوم المصلحون بمحاولة التنقية يقوم دعاة السوء بتشويه إصلاحهم ودعوة الناس إلى البقاء على الموروثات، لأن كونها موروثات يعطيها في نظر بعض الناس شيئاً من القداسة، ولكن حينما ينبع الإصلاح من أعلى قمة في المسئولية كما هو الحال في عهد عمر بن عبد العزيز فإن نتائج الإصلاح تكون كبيرة وسريعة المفعول، لأن معه ما خولّه الله تعالى من طاعة الرعية ما دام في طاعة الله تعالى إلى جانب قوة السلطان المعهودة (?).
4 ـ إنكاره العصبية القبلية: كتب عمر بن عبد العزيز إلى الضحاك بن عبد الرحمن وكان مما جاء في كتابه: إن ما هاجني على كتابي هذا أمر ذكر لي عن رجال من أهل البادية، ورجال أمروا حديثاً، ظاهر جفاؤهم قليل علمهم بأمر الله اغتروا فيه بالله غرة عظيمة، ونسوا فيه بلاءه نسياناً عظيماً، وغيروا فيه نعمه تغييراً لم يكن يصلح لهم أن يبلغوه وذكر لي أن رجالاً من أولئك يتحاربون إلى مُضر وإلى اليمن، يزعمون أنهم ولاية على من سواهم، وسبحان الله وبحمده ما أبعدهم من شكر نعمة، وأقربهم من كل مهلكة ومذلة وصُغُر، قاتلهم الله أية منزلة نزلوا، ومن أي أمان خرجوا، أو بأي أمر لصقوا ولكن قد عرفت أن الشقي بنيته يشقى، وأن النار لم تخلف باطلاً. أو لم يسمعوا إلى قول الله في كتابه: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)) (الحجرات، آية: 10). وقوله: ((الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) (المائدة، آية: 3).
وقد ذكر لي مع ذلك أن رجالاً يتداعون إلى الحلف، لا حلف في الإسلام قال: وما كان من حلف في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة فكان يرجو أحد من الفريقين حفظ حلفه الفاجر الآثم الذي فيه معصية الله ومعصية رسوله، وقد ترك الإسلام حين